.
الكفر19
تعريفه
الكفر
في اللغة التغطية والستر - والكفر شرعاً: ضد الإيمان- فإن الكفر عدم
الإيمان بالله ورسله سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب، بل شك وريب
أو إعراض
أو
حسد أو كبر أو اتباع لبعض الأهواء الصادة عن اتباع الرسالة. وإن كان المكذب
أعظم كفرا. وكذلك الجاحد المكذب حسداً مع استيقان صدق الرسل 20.
أنواعه
الكفر نوعان:
النوع الأول : كفر أكبر يخرج من الملة وهو خمسة أقسام :
القسم الأول: كفر التكذيب - والدليل قوله تعالى: (وَمَنْ
أَظْلَمُ مِمّنْ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذّبَ بِالْحَقّ
لَمّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنّمَ مَثْوًى لّلْكَافِرِينَ)21.
القسم الثاني: كفر الإباء والاستكبار مع التصديق- والدليل قوله تعالى : (وَإِذْ
قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاّ إِبْلِيسَ
أَبَىَ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)22 .
القسم الثالث: كفر الشك وهو كفر الظن والدليل قوله تعالى: (وَدَخَلَ
جَنّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لّنَفْسِهِ قَالَ مَآ أَظُنّ أَن تَبِيدَ
هَـَذِهِ أَبَداً * وَمَآ أَظُنّ السّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رّدِدتّ
إِلَىَ رَبّي لأجِدَنّ خَيْراً مّنْهَا مُنْقَلَباً * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ
وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمّ مِن
نّطْفَةٍ ثُمّ سَوّاكَ رَجُلاً * لّكِنّ هُوَ اللّهُ رَبّي وَلاَ أُشْرِكُ
بِرَبّي أَحَداً)23 .
القسم الرابع: كفر الإعراض- والدليل قوله تعالى: (وَالّذِينَ كَفَرُواْ عَمّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ)24
القسم الخامس: كفر النفاق- والدليل قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنّهُمْ آمَنُواّ ثُمّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىَ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ)25
النوع الثاني : كفر أصغر
لا يخرج من الملة وهو الكفر العملي- وهو الذنوب التي وردت تسميتها في
الكتاب والسنة كفراً وهي لا تصل إلى حد الكفر الأكبر - مثل كفر النعمة
المذكور في قوله تعالى: (وَضَرَبَ
اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مّطْمَئِنّةً يَأْتِيهَا
رِزْقُهَا رَغَداً مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ)26.
ومثل قتال المسلم المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)27.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم
لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )28.
ومثل الحلف بغير الله قال صلى الله عليه وسلم (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)29.
فقد جعل الله مرتكب الكبيرة مؤمناً قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى)30 . فلم يخرج القاتل من الذين آمنوا وجعله أخاً لولي القصاص فقال: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ)31 والمراد أخوة الدين بلا ريب ، وقال تعالى : (وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا)32 إلى قوله تعالى: (إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)33 . انتهى من شرح الطحاوية (34) باختصار.
وملخص الفروق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر :
1-
أن الكفر الأكبر يخرج من الملة ويحبط الأعمال ، والكفر الأصغر لا يخرج من
الملة ولا يحبط الأعمال لكن ينقصها بحسبه ويعرض صاحبها للوعيد.
2-
أن الكفر الأكبر يخلد صاحبه في النار، والكفر الأصغر إذا دخل صاحبه النار
فإنه لا يخلد فيها ، وقد يتوب الله على صاحبه فلا يدخله النار أصلاً.
3- أن الكفر الأكبر يبيح الدم والمال ، والكفر الأصغر لا يبيح الدم والمال.
4-
أن الكفر الأكبر يوجب العداوة الخالصة بين صاحبه وبين المؤمنين فلا يجوز
للمؤمنين محبته وموالاته ولو كان أقرب قريب . وأما الكفر الأصغر فإنه لا
يمنع الموالاة مطلقاً بل صاحبه يحب ويوالى بقدر ما فيه من الإيمان ويبغض
ويعادى بقدر ما فيه من العصيان.
النفاق35
تعريفه
النفاق
في الشرع معناه إظهار الإسلام والخير وإبطان الكفر والشر. سمي بذلك لأنه
يدخل في الشرع من باب ويخرج من باب آخر. وعلى ذلك نبه الله تعالى بقوله: (إِنّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)35. أي الخارجون من الشرع. وجعل الله المنافقين شراً من الكافرين فقال: (إِنّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النّارِ)36. وقال تعالى: (إِنّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)37 وقال تعالى : (يُخَادِعُونَ
اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاّ أَنْفُسَهُم وَمَا
يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم
عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)38.
أنواعه
النفاق نوعان :
النوع الأول النفاق الاعتقادي :
وهو النفاق الأكبر الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر- وهذا النوع مخرج
من الدين بالكلية وصاحبه في الدرك الأسفل من النار. وقد وصف الله أهله
بصفات الشر كلها : من الكفر وعدم الإيمان والاستهزاء بالدين وأهله والسخرية
منهم والميل بالكلية إلى أعداء الدين لمشاركتهم لهم في عداوة الإسلام
وهؤلاء موجودون في كل زمان، ولا سيما عندما تظهر قوة الإسلام ولا يستطيعون
مقاومته في الظاهر فإنهم يظهرون الدخول فيه لأجل الكيد له ولأهله في
الباطن، ولأجل أن يعيشوا مع المسلمين ويأمنوا على دمائهم وأموالهم، فيظهر
المنافق إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهو في الباطن
منسلخ من ذلك كله مكذب به، لا يؤمن بالله . وأن الله تكلم بكلام أنزله على
بشر جعله رسولاً للناس يهديهم بإذنه وينذرهم بأسه ويخوفهم عقابه. وقد هتك
الله أستار هؤلاء المنافقين وكشف أسرارهم في القرآن الكريم وجلى لعباده
أمورهم ليكونوا منها ومن أهلها على حذر وذكر طوائف العالم الثلاثة في أول
البقرة. المؤمنين والكفار والمنافقين. فذكر في المؤمنين أربع آيات. وفي
الكفار آيتين، وفي المنافقين ثلاثة عشرة آية. لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم
وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله، فإن بلية الإسلام بهم شديدة جداً. لأنهم
منسوبون إليه وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة، يخرجون عداوته في
كل قالب يظن الجاهل أنه علم وإصلاح وهو غاية الجهل والإفساد39.