الوصية السادسة
(ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده)
اليتيم هو الذي مات أبوه قبل بلوغه سواء أكان ذكراً أو أنثى. ومن ماتت أمه قبل أن يبلغ فليس بيتيم.
هذا اليتيم له مال ورثه من أبيه ولابد أن يكون لليتيم ولي يقوم عليه:
إما بوصية من أبيه
وإما بتوليه من الحاكم
وإما بتولية من الشارع
على قول كثيرمن أهل العلم - المهم ولي
يقول الله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن).
قربان مال اليتيم له ثلاث درجات:
الاول: أسوأ.
الثاني: أحسن.
الثالث: لا أحسن ولا أسوأ.
فالتصرف بما هو أسوأ في مال اليتيم حرام
يعني: لو أنك أردت أن تشتري شيئاً بمال اليتيم وتعرف أن هذا الشيء سيخسر قطعاً ، فذلك حرام لأن هذا لا شك ضرر على اليتيم.
وأما إذا تصرفت تصرفاً لا تدري هل هو أحسن أو ليس بأحسن. هذا أيضاً حرام لأن الله يقول:
(ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) .
أردت أن تتصرف فيه تصرفاً حسناً لكن أمامك شيئان، تصرف فيه خير وتصرف فيه خير أكثر، أيهما الواجب؟
الواجب الذي فيه الخير الأكثر لأن الله قال: (إلا بالتي هي أحسن)
ولنضرب لهذا مثلاً : جاءك رجل يقول : أقرضني مال اليتيم. وهذا الرجل معروف بالمماطلة وأنه لا يكاد يخرج الحق منه، هل يجوز أن تقرضه؟
لا يجوز لأن في ذلك مغامرة ومخاطرة في مال اليتيم.
جاءك رجل آخر يقول : أقرضني مال اليتيم وهو رجل وفي، لكن إقراضه ليس فيه مصلحة لليتيم هل تقرضه؟ لا لأنه ليس فيه مصلحة.
جاءك رجل ثالث يقول : أقرضني مال اليتيم وأنت تخشى على هذا المال لو بقي عندك أن يسرق، فهل في إقراضه مصلحة؟
هذا الرجل الثالث وفي، ولو طلب منه المال في أي ساعة من ليل أو نهار أعطاه، وأنا أخشى إن بقي المال عندي أخشى عليه من عدوان أو سرقة أو غير ذلك فهنا إذا أقرضته، جائز لأن هذا هو الأحسن،
إذاً يجب على ولي اليتيم المتولي لماله أن لا يتصرف إلا بالتي هي أحسن، ومن هنا نأخذ قاعدة، وهي أن كل ولي على كل شيء يجب عليه أن لا يتصرف إلا بما هو أحسن.
الإنسان لو تصرف بشيء لنفسه فهو حر، لكن إذا تصرف بشيء لغيره وجب أن يتبع الأحسن، ومن ذلك ما لو تقدم إلى ابنتك رجلان يخطبانها، أحدهما صاحب دين وخلق، والثاني دونه في الدين والخلق، فما الواجب عليك، أتزوج الأول أو الثاني؟
الواجب أن تزوج الأول لأن ذلك أحسن فإن صاحب الخلق والدين إن رضي البنت أمسكها بإحسان وإن فارقها فارقها بمعروف
ومن هنا نأخذ أيضاً أنه لا يجوز للأب أن يمنع تزويج ابنته برجل تريده، والأب لا يريده إذا كان صاحب خلق ودين لأن هذا خلاف الإحسان بالنسبة للتصرف في حق البنت وكذلك أيضاً إذا أعطاك شخص زكاته لتفرقها على مستحقيها، ووجدت فقيراً ووجدت شخصاً آخر أشد منه فقراً فما الواجب عليك؟
الواجب أن تعطي الذي هو أشد فقراً لأن هذا أنفع لصاحب الزكاة وللمعطى أيضاً.
فكل من تصرف لغيره فالواجب عليه أن يتبع ما هو أحسن.
قوله : (حتى يبلغ أشده) :
المراد بالأشد ، الرشد لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً قال الله تعالى :
(وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم)[ سورة النساء، الآية: 6].
فإذا بلغ اليتيم وكان يحسن التصرف في المال وجب علينا أن ندفع إليه المال، ولهذا قال: " فادفعوا إليهم أموالهم"
لأنه الآن ليس لأحد حق في الولاية عليه.