العدد ثلاثة (3)
كان العدد 3 عددا مقدسا عند الساميين ، عموما ، والعبرانيين خصوصا ، فالكون مؤلف من ثلاثة : السماء ، والأرض ، والبحار . وكانت آلهة البابليين العظيمة ثلاثة : (آنو) للسماء ، و(بعل) للأرض ، و(أيا) للمياه والغمر . وهذا العدد يرمز ، أيضا ، إلى الثالوث القدّوس . وكثيرا ما كان العبرانيون يشدّدون على أمر ما بالتوكيد عليه ثلاث مرات ، كقولهم : (هيكل الرب ، هيكل الرب ، هيكل الرب هو) (أرميا 7 : 4) ، و(يا أرض ، يا أرض يا أرض ....) (أرميا 22 : 29) ، و(منقلبا ، منقلبا ، منقلبا اجعله) (حزقيال 21 : 27) ، و(قدّوس ، قدّوس ، قدّوس) (أشعياء 6 :2) . وهو يرمز إلى الخير والفأل والحظّ الحسن . يمثّل الثلاثة الخلق ، لذلك تعرف معظم الديانات ثلاثة وجوه للإله الذي خلق العالم من العدم . وهنا يقول بالزاك (إنّ العدد ثلاثة علامة الخلق ، وهو عدد يعجب الله) .
وردت اللفظة (ثلاثة) بلفظ واحد في جميع اللغات الساميّة .
في اللغة العربية : ثلاثة .
في اللغة العبريّة : (شالوشا) (Shalocha) .
في اللغة الآراميّة : (تالاشا) (Telatha) .
في اللغة السريانيّة : (تالاشا) (Telacha) .
ونظنّ أنّ هذه اللفظة مشتقّة من جذر ساميّ مشترك يفيد الكثرة ، والعرمة ، والكومة . فالفكر العددي تطور عند الأمم السامية مبتدئا بالواحد الذي كان يرمز إليه بخط عمودي (1) (كما في الأرقام الرومانيّة) ، وهذا الخط يرمز إلى فكرة الفصل والحد بين وحدة وأخرى ، كما أسلفنا القول في العدد (واحد) . ونشأت فكرة (الاثنين) من فكرة الطّي والكيّ والمضاعفة ، هكذا (1 1) (كما هو في الأرقام الرومانية) ، وقد أسلفنا القول فيه أيضا . أمّا (الثلاثة) ، فيجب أن تكون عند الساميين هكذا : (¹ 1 1) ، وليس كما هي عند الرومان : ( 1 1 1) ، بل رسما يمثّل العرمة ، والكومة ، والتّلّة . ومن فكرة العرمة ، والكومة ، والتّلّة ، أخذ الشّاميّون فكرة (الثلاثة) .
ونكاد نجزم أنّ جذر (الثلاثة) ثنائيّ ساميّ مشترك وهو (ثل) ، أو (شل) ، وفي الآرامية (تل) . وأصل المادّة : العرمة ، والكومة ، والتّلّة ، والكثرة . ومعنى الكثرة ورد في القرآن الكريم : (ثلّة من الأوّلين ، وقليل من الآخرين) (الواقعة : 13 - 14) . و(ثلّة من الأوّلين وثلّة من الآخرين) (الواقعة 39 – 40) . ولفظة (ثؤلول) العربية ، التي هي من الجذر الثنائي (ثل) ، تعني الارتفاع والنّتوء .
وربّ سائل يسأل : كيف ارتقى الجذر الثنائيّ (ثل) حتى يصبح (ثلث) ؟ والجواب أنّ الثّاء الثّانية في (ثلث) للمبالغة والتكثير . ومن المعروف أنّ تكرار الحرف ، في اللغات السامية ، يفيد الشّدّة ، والتكثير ، ويقال في العامية اللبنانية – مثلا – (فرفح قلبي) بزيادة فاء في فرح للدلالة على شدّة الفرح . وربّما يكون الطور الأوّل من تطوّر الجذر (ثل) هو تكراره : (ثل ثل) ، ثمّ أصبح ، مع الزمن ، (ثلث) بحذف اللام الثانية ، على مبدأ السهولة والاقتصاد اللغويّ .
العدد ثلاثة في العربية القديمة ولهجاتها
ثلاث – ثلاثة
في الجبالية (شُ2 ل×ثْ ِ ت) ، (شْ2 ه ل ِْ ث) ، واللام في شُ2 ل×ث ت) مدغمة بحيث لا يكاد السامع أن يتبين أنها تنطق بجلاء في (ش2 ه لْ ث) وقد تدغم اللام في حالة المذكر إلى درجة اقترابها من الغين في المهرية ، وتظهر بوضوح في حالة التأنيث (ش2 ل ث ِْ ت) (ش2 ه لِ ث) ، وفي السبئية ترد في النقوش (ش2 ل ث ت) (ش ل ث) .
وهكذا كانت تكتب في المساند السبئية القديمة وكذلك المساند الحضرمية والمساند القتبانية ، أما في المساند السبئية الحديثة فنرى أن الثاء حلت محل الشين2 الجانبية فأصبحت (ث ل ث ت) (ث ل ث) . ومن هنا نرى اقتراب نطق العدد ثلاثة في المساند الحديثة العهد من طور الفصحى ومن النطق الذي نعرفه الآن للعدد ثلاثة وهذا دليل آخر على حركة التطور في العربية ، كما يعطينا استعمال الحرف (ش2) الذي في (ش2 ل ث ت) دليلا آخر على تطابق نطق الحرف المسندي مع الشين الجانبية التي نراها في المهرية والجبالية في نطق العدد ثلاثة (شُ2 ل×ث ت) ، وسبق وأشرنا إلى ذلك والدليل أيضا على أن هذه اللهجات لا زالت تحتفظ بأقدم صورة للعربية بين طياتها .
العدد ثلاثة عند المسلمين
ملاحظة : العدد ثلاثة عند المسلمين به الكثير من الأمثلة ، إليكم الآن البعض اليسير ، وسوف نقوم إن شاء الله بتكملة الباقي قريبا .
في (روح البيان) تحت قوله تعالى : (وبالآخرة هم يوقنون) <البقرة – 4> قال أبو الليث رحمه الله تعالى في تفسير اليقين على ثلاثة أوجه : يقين عيان ، ويقين خبر ، ويقين دلالة .
فأما يقين العيان : فهو أنه إذا رأى شيئا زال الشّكّ عنه في ذلك الشيء . وأما يقين الدلالة فهو أن يرى الرجل دخانا ارتفع من موضع يعلم باليقين أنّ هناك نارا وإن لم يرها . وأما يقين الخبر : فهو أنّ الرجل يعلم باليقين أنّ في الدنيا مدينة يقال لها بغداد وإن لم ينته إليها . فهاهنا يقين خبر ويقين دلالة ، لأنّ الآخرة حقّ ، ولأنّ الخبر يصير معاينة عند الرؤية .
أما الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى قال في ذلك : اليقين ثلاثة مراتب :
علم اليقين .
عين اليقين .
حقّ اليقين .
وضرب مثلا لذلك فقال : هب أنّ فلانا سمع مثلا عن مدينة القاهرة كافة التفاصيل من أحد أصحابه ، هنا يكون قد حصل علم اليقين ، ولكن عندما سنحت الفرصة لهذا الشخص وهو في طريقه إلى أوربا بالطائرة وعندما كانت الطائرة تحلق فوق أجواء القاهرة رآها جلية و تحدث الطيار عن القاهرة وذكر تلك الأوصاف التي سمعها هذا الشخص سابقا ، عندها يكون ذلك عين اليقين . ودارت الأيام وسافر هذا الشخص إلى القاهرة وتجول فيها وعايش كل ما سمعة في السابق عن القاهرة فوجده مطابقا ، عندها يكون ذلك حقّ اليقين .
قيل عهد الله إلى خلقه ثلاثة عهود :
العهد الأول : الذي أخذه على جميع ذريّة آدم عليه السلام بأن يقرّوا بربوبيّته ، وهو قوله تعالى : (وإذ أخذ ربّك من بني آدم) <الأعراف – 172> .
العهد الثاني : وقد خصّ به النّبيّين أن يبلّغوا الرسالة ويقيموا الدين وهو قوله تعالى : (وإذ أخذنا من النبيّين ميثاقهم) <الأحزاب – 7> .
العهد الثالث : وقد خصّ به العلماء وهو قوله تعالى : (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّننّه للناس ولا تكتمونه) <آل عمران – 187> .
وقال الصّوي : العهود ثلاثة :
عهد الله في الأزل لجميع الخلق على التوحيد وإتباع الرسل ، وعهد خاص بالأنبياء ، وهو تبليغ الشرائع والأحكام ، وعهد خاص بالعلماء وهو : تبليغ ما تلقّوه عن الأنبياء ، والكفار نقضوها .
وفي الحديث : (ثلاثة في ظلّ عرش الله يوم القيامة ، امرأة مات عنها زوجها وترك عليها يتامى صغارا فخطبت فلم تتزوّج وقالت : أقيم على اليتامى حتى يغنيهم الله أو يموت . يعني : اليتيم . ورجل له مال صنع طعاما فأطاب صنيعه وأحسن نفقته ، فدعا اليتيم والمسكين . وواصل الرحم يوسّع له في رزقه ويمّ له في أجله ويكون تحت ظلّ عرشه .
ثلاثة مواضع لا رابع لها يأمر نبيّه أن يقسم على ما أقسم عليه هو سبحانه .
الأول : قوله تعالى : (ويستنبئونك أحقّ هو قل إي وربّي إنّه لحق) <يونس – 53> .
الثاني : قال تعالى : (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربّي لتأتينّكم) <سبأ – 3> .
الثالث : قال تعالى : (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربّي لتبعثنّ ثم لتنبّؤنّ بما عملتم وذلك على الله يسير) <التغابن – 7> .
للتوحيد ثلاث مراتب :
توحيد المبتدئين : لا إله إلا الله ؛ وتوحيد المتوسطين لا إله إلا أنت ، لأنهم في مقام الشهود فمقتضاه الخطاب ؛ وتوحيد الكمّل فإنهم يسمعون التوحيد من الموحّد لا إله إلا أنا ، لأنهم في مقام الفناء الكلّي . فلا يصدر منهم شيء أصلا .
ولفظ (هو) إشارة إلى مقام المقرّبين ، لأنهم لا يرون وجودا لغير الله ، وهو وإن كان ضمير غائب يحتاج إلى مرجع ، ولكن يشتبه المرجع عند التّعدّد ، وحيث لم يكن سواه فهو المرجع . <انظر (روح البيان) تحت قوله تعالى (الله لا إله إلا هو الحيّ القيّوم)>
(ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه من سواهما ، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلا لله ، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار) .
(ثلاثة ما كفروا بالله قط : مؤمن آل يس ، وعليّ بن أبي طالب ، وآسية امرأة فرعون) . وفي حديث آخر : (سباق الإسلام ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين : مؤمن آل فرعون ، وحبيب النجار صاحب يس ، وعلي بن أبي طالب) رضي الله عنهم .
(ثلاثة يضحك الله إليهم : الرجل يقوم من الليل ، والقوم إذا صفّوا للصلاة ، والقوم إذا صفوا للقتال) .
(ثلاثة لا تردّ دعوتهم : الصّائم حتى يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرّب : وعزّتي لأنصرنّك ولو بعد حين) .< زواجر في الكبيرة> . أحمد والترمذي وحسنه . وابن ماجه وأبنا خزيمة وحبان في صحيحيهما .
وروى البزار (ثلاث متعلقات بالعرش : الرّحم تقول : اللهم إني بك فلا أقطع ؛ والأمانة تقول : اللهم إني بك فلا أخان ، والنعمة تقول : اللهم إني بك فلا أكفر) .
(ثلاث أقسم عليهنّ : (ما نقص مال من صدقة ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّا ، ومن تواضع لله رفعه الله) .
(ثلاثة أصوات يباهي الله بهنّ الملائكة : الأذان ، والتكبير في سبيل الله ، ورفع الصوت بالتلبية) .
(