إبحار فى حديث عظيم { من نفس عن مؤمن كربة .... )
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد فهذ ا إبحار أو قل قراءة لحديث من أحاديث رسول الله صلى الله وسلم العظيمة ومحاولة لفهم ما ينطوى عليه الحديث ويأمر به الرسول الكريم
عن أبي هُرَيْرَة رضي اللهُ عنه، عن النَّبِيِّ قال: ((
مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً من كُرَبِ يوْمِ القيامَةِ، ومَنْ يَسَّرَ على
مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنْيا والآخِرَةِ، واللهُ في عَوْنِ الْعَبْدِ ما كانَ الْعَبْدُ في عَونِ أخيهِ. ومَنْ سلك طَريقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ
عِلْماً سَهَّلَ اللهُ له بِهِ طَرِيقاً إلى الجنَّةِ.وَمَا اجتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ ويَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ،
إلا نَزَلَتْ عليهمُ السَّكِينَةُ، وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وحَفَّتهُمُ المَلائِكَةُ، وذَكَرَهُمُ اللهُ فيمَنْ عِنْدَه . وَمَنْ بَطَّأ بِه عَمَلُهُ لمْ يُسْرِعْ به
نَسَبُهُ )). رَواه بهذا اللَّفظ مسلم.
مفردات الحديث :
" نفَّسَ ": خفف.
و" الكربة": الشدة العظيمة التي تُوقع من نزلت فيه بغم شديد.
"يسر على معسر": المعسر: من أثقلته الديون وعجز عن وفائها، والتيسير عليه مساعدته
على إبراء ذمته من تلك الديون.
"ستر مسلماً ": بأن رآه على فعل قبيح شرعاً فلم يظهر أمره للناس.
" ستره الله ": حفظه من الزلات في الدنيا.
"سلك": مشى، أو أخذ بالأسباب.
" طريقاً ": مادية كالمشي إلى مجال العلم وقطع المسافات بينه وبينها. أو معنوية كالكتابة والحفظ والفهم والمطالعة والمذاكرة وما إلى ذلك، مما يصل به إلى تحصيل العلم.
" يلتمس": يطلب.
" فيه ": في غايته.
" علماً ": نافعاً.
" له ": لطالب العلم.
" به ": بسبب سلوكه الطريق المذكور.
" طريقاً إلى الجنة " : أي يكشف له طرق الهة ويهيء له أسباب الطاعة في الدنيا، فيسهل عليه دخول الجنة في الآخرة.
" بيوت الله ": المساجد.
" يتدارسونه بينهم " يقرأ كل منهم جزءاً منه، بتدبر وخشوع،ويحاولون فهم معانيه وإدراك مراميه.
" السكينة ": ما يطمئن به القلب وتسكن له النفس.
" غشيتهم ": غطتهم وعمتهم .
" الرحمة ": الإحسان من الله تبارك وتعالى والفضل والرضوان.
" حفتهم ": أحاطت بهم من كل جهة.
" الملائكة ": الملتمسون للذكر، والذين ينزلون البركة والرحمة إلى الأرض.
" ذكرهم الله فيمن عنده ": باهى بهم ملائكة السماء وأثنى عليهم.
" بطأ به عمله ": كان عمله الصالح ناقصاً وقليلاً فقصر عن رتبة الكمال.
" لم يسرع به نسبه ": لا يعلي من شأنه شرف النسب.
المعنى العام :
1- المسلمون جسد واحد: إن أفراد مجتمع الإيمان والإسلام أعضاء من جسد واحد، يتحسس كل منهم مشاعر الآخرين وتنبعث فيه أحاسيسهم، فيشاركهم أفراحهم وأحزانهم.
2- فالحياة ملأى بالمتاعب والأكدار، وكثيراً ما يتعرض المسلم لما يوقعه في غم وهم وضيق وضنك، مما يجب على المسلمين أن يخلصوه منه، ومن ذلك :
أ- نصرته وتخليصه من الظلم: كما قال : " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً، كيف أنصره ؟ قال: تحجزه، أو تمنعه، من الظلم فإن ذلك نصره " متفق عليه.
ولا سيما إذا كان الظلم الذي يوقع عليه بسبب دينه وتمسكه بإسلامه، من قبل قوم كافرين أو فاسقين مارقين . قال تعالى: {وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ} [الأنفال: 72].
ب- إقراضه المال إن احتاج إلى المال: قد يقع المسلم في ضائقة مالية، فيحتاج إلى النفقة في حوائجه الأصلية من طعام وشراب ومسكن وعلاج ونحو ذلك، فينبغي على المسلمين أن يسارعوا لمعونته، وعلى الأقل أن يقرضوه المال قرضاً حسناً، بدل أن يتخذوا عوزه وسيلة لتثمير أموالهم، وزيادتها، كما هو الحال في مجتمعات الربا والاستغلال. قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}
[ المزمل: 20].
3- التيسير على المعسر: الذي أثقلته الديون وعجز عن وفائها ويكون التيسير عليه بأمرين:
إما بمساعدته لوفاء دينه، أو بالحطِّ عنه من دينه.
4-الستر على من وقع في معصية: إذا اطلع المسلم على زلة المسلم، فهل يسترها عليه أم يعلنها؟ فإن هذا يختلف باختلاف أعمال الناس، والناس في هذا على حالتين:
1- من كان مسر الحال: أي لا يعرف بين الناس بشيء من المعاصي، فمثل هذا إذا وقعت منه هفوة أو زلة وجب الستر عليه، ولا يجوز كشف حاله ولا التحدث بما وقع منه، لأن ذلك غيبة محرمة، وإشاعة للفاحشة.
2- من كان مشتهراً بالمعصية، مستعلناً بها بين الناس: من لا يبالي بما يرتكب، ولا يكترث لما يقال عنه، فهذا فاجر مستعلن بفسقه، فلا غيبة له، بل يندب كشف حالة للناس، وربما يجب، حتى يقوه ويحذروا شره، وإن اشتد فسقه، ولم يرتدع من الناس، وجب رفع الحالة إلى ولي الأمر حتى يؤدبه بما يترتب على فسقه من عقوبة شرعية، لأن الستر عليه يجعله وأمثاله يطمعون في مزيد من المخالفة، فيعيثون في الأرض فساداً، ويجرون على الأمة الشر المستطير.
5_ الشفاعة لمن وقعت منه معصية: إذا وقعت من المسلم زلة، وكان مسر الحال، معروفاً بين الناس بالاستقامة والصلاح، ندب للناس أن يستروه ولا يعزروه على ما صدر منه، وأن يشفعوا له ويسطوا له لدى من تتعلق زلته به إن كانت تتعلق بأحد
6_طريق الجنة: إن الإسلام شرط النجاة عند الله عز وجل، والإسلام لا يقوم ولا يكون إلا بالعلم، فلا طريق إلى معرفة الله تعالى والوصول إليه إلا بالعلم، فهو الذي يدل على الله سبحانه من أقرب طريق، فمن سلك طريقه ولم يعوج عنه بلغ الغاية المنشودة، فلا عجب إذن أن يجعل رسول الله طلب العلم طريق الجنة، ويبين أن كل طريق يسلكه المسلم يطلب فيه العلم يشق به طريقاً سالكة صله إلى الجنة: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة" وليس أدل على ما نقول من أن الله تعالى جعل فاتحة الوحي إلى رسوله أمراً بالعلم وبوسائل العلم، وتنبيهاً إلى نعمة العلم وشرفه وأهميته في التعرف على عظمة الخالق جل وعلا وإدراك أسرار الخلق، وإشارة إلى حقائق علمية ثابتة، فقال سبحانه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ اإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [ العلق:1-5 ].
ومما يستفاد من الحديث:
1- أن الجزاء عند الله من جنس ما قدم العبد من عمل، فجزاء التنفيس التنفيس، وجزاء التفريج التفريج، والعون بالعون، والستر بالستر، والتيسير بالتيسير
2- الإحسان إلى الخلق طريق محبة الله عز وجل.
3- ما ذكر من التنفيس وغيره عام في المسلم وغيره الذي لا يناصب المسلمين العداء، فالإحسان إليه مطلوب، بل ربما تعدى ذلك لكل مخلوق ذي روح، قال :
"إن الله كتب الإحسان على كل شيء " رواه مسلم.
وقال:"في كل كبد رطبة أجر" متفق عليه.
4- الحذر من تطرق الرياء في طلب العلم، لأن تطرقه في ذلك أكثر من تطرقه في سائر الأعمال، فينبغي تصحيح النية فيه والإخلاص كي لا يحبط الأجر ويضيع الجهد .
5- طلب العون من الله تعالى والتيسير، لأن الهة بيده، ولا تكون طاعة إلا بتسهيله ولطفه، ودون ذلك لا ينفع علم ولا غيره .
6- ملازمة تلاوة القرآن والاجتماع لذلك، والإقبال على تفهمه وتعلمه والعمل به، وأن لا يترك ليقرأ في بدء الاحتفالات والمناسبات، وفي المآتم وعلى الأموات.
7- المبادرة إلى البة والاستغفار والعمل الصالح، قال الله تعالى :{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133-134]
انتهى بفضل الله
منقول