بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين 00
أنواع النفوس و تأثيراتها العجيبة
ذهب أهل الحق إلى أن النفوس مختلفة بحسب جواهرها.
فمنها نفوس علوانية نورانية لها شعور بعالم الأرواح فتستفيد بالفيض من عالم الأرواح أكزرا عجيبة .
و منها نفوس كثيفة كدرة مشغوفة بالجسمانية لا حظ لها من عالم الروحانيات .
و ذهب بعض الحكماء إلى أن النفوس الناطقة جنس تحته أنواع و تحت كل نوع افراد لا يخالف بعضها بعضا إلا بالعدد و كل نوع منها كالولد لروح من الأرواح السماوية , و هذا هو الذي نسميه أصحاب الطلسمات بالطباع التام .
فمن النفوس الفاضلة نفوس الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين ..
فإن الله تعالى لما أراد أن يجعلهم قدوة للخلق جمع في نفوسهم أنواع الفضائل و نفى عنهم أصناف الرذائل لإقتداء الخلق بهم و أظهر عليهم الآثار العجيبة لإنقياد الخلق إليهم .
و منها نفوس الأولياء ..
فإنها لما كانت تابعة لنفوس الأنبياء متشبهة بها صدرت عنها آثار عجيبة من شفاء المرضى بشفائهم و سقي الأارض باستسقائهم و صرف الوباء و المؤذيات بدعائهم و تبدل نفرة الطيور بالهدوء و الوقوع , و سؤرة السباع بالخضوع , و إلى غير ذلك من الأمور التي تحكى عنهم .
و منها نفوس أصحاب الفراسة ..
و هي نفوس تستدل بالأحوال الظاهرة على الأمور الباطنة و أنَه لإستدلال صحيح .
و قد قال الله تعالى (( إن في ذلك لآيات للمتوسمين )), و قد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم (( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى )).
و حكى أبو سعيد الخزار قال : رأيت في الحرم رجلا فقيرا ليس عليه إلا ما يستر عورته فأنفت نفسي منه فتفرس في ذلك و قال (( و اعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه )) , فندمت على ذلك و استغفرت الله في نفسي فقال : (( و هو الذي يقبل التوبة من عباده و يعفو عن السيئات )).
و حكى الشافعي رضي الله عنه و محمد بن الحسن رحمه الله رأيا رجلا فقال أحدهما : إنه نجار و قال الآخر بل حداد .
فسألا عنه فقال : كنت حدادا قبل هذا و الآن صرت نجارا .
و منها نفوس الكهنة ..
و هي نفوس تتلقى الروحانيات و تكتسب أحوال الكائنات التي تدل عليها المنامات و غيرها من الحادثات .
و حكى أن ربيعة بن نصر اللخمي رأى رؤيا هائلة فبعث إلى أهل مملكته يسأل عن تفسيرها .
فقالوا : ليبعث الملك إلى " سطيح " و " شق " فلا يجد أعلم منهما بها .
فبعث إليهما , فقدما .
فقال الملك لسطيح : رأيت رؤيا هالتني فأخبرني بها فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها .
فقال سطيح : رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض نعمة فأكلت منها كل ذات جمجمة .
فقال الملك : ما أخطأت منها شيء فما تأويلها ؟
فقال : ليهبطن بأرضكم الحبش و يملكن ما بين أبين و جرش .
فقال الملك : إن هذا لغائظ فأخبرني متى هو كائن أفي زماني أم بعده .
فقال سطيح : بل بعده بحين أكثر من ستين إلى سبعين سنة تمضين من السنين ثم يقتلون بها أجمعين أو يخرجون منها هاربين .
فقال الملك : و من الذي يملك قبلهم ؟
قال : ابن ذي يزن يخرج عليهم من عدن ولا يترك منهم أحدا باليمن .
قال الملك : أيدوم ملك ذلك أم ينقطع ؟
قال : بل ينقطع .
قال ومن يقطعه ؟
قال : نبي زكي كريم عظيم يأتيه الوحي من قبل العلي .
قال الملك : و من هذا النبي ؟
قال : رجل من و لد غالب بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه لآخر الدهر .
قال الملك : و هل للدهر من آخر ؟
فقال : نعم يوم يجمع فيه الأولون و الآخرون و يسعد فيه المحسنون و يشقى فيه المسيئون .
قال الملك : أحق ما تخبر به ؟
قال : نعم و الشفق و القمر إذا اتسق إن ما نبأتك به لحق .
فلما فرغ من حديثه دعا الملك بـ"شق" و خاطبه مثل ما خاطب به سطيحا و كتم جواب سطيح لينظر أيتفقا أم يختلفان.
فقال شق : رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فأكلت منها كل ذات نسمة .
فعلم الملك اتفاقهما فقال : ما أخللت بشيء منها يا " شق " فما تأويلها ؟
قال : لينزلن أرضكم السودان و ليملأن ما بين أبين و نجران .
فقال الملك : إن هذا لغائظ فمتى هو كائن , في زماني أم في زماني بعدي ؟
فقال بل بعده بزمان ثم ينقذكم منه عظيم ذو شأن و يذيقهم أشد الهوان .
قال الملك من هذا العظيم الشأن ؟
قال : غلام من بني ذي يزن يخرج من عدن .
قال الملك : أيدوم سلطانه أم ينقطع ؟
قال : بل ينقطع برسول من الرسل يأتي بالحق و العدل من أهل الدين و الفضل , و الفضل يبقى في قومه إلى يوم الفصل .
فكان ما تنبأ به عندما استولى الحبشيون على اليمن و ملوكها إلى أن جاء سيف بن ذي يزن إلى كسرى و استنجده فأمده بعساكره برا و بحرا و قتلوا الحبشة قتلا ذريعا و أخرجوهم من اليمن .
و ملكها سيف بن ذي يزن فاجتمع على بابه رؤساء العرب و دخل عليه عبد المطلب بن هاشم جد رسول الله صلى الله عليه و سلم مع قومه فأكرمه و خلع عليه.
و قال سيف بن ذي يزن : إنا نجد في كتبنا أن هذا الملك صائر إلى أحد أولاده فليتني كنت أدركه .
و منها نفوس أصحاب العرافة ..
و هي نفوس تستدل ببعض الحوادث على بعض لمناسبة بينهما أو مشابهة خفية .
كما حكي , أن الإسكندر تملك بعض البلاد فدخل هيكلها فوجد فيها امرأة تنسج ثوبا فقالت : أيها الملك أعطيت ملكا ذا طول و عرض .
ثم دخل عليها الوالي فقالت له : إن الإسكندر سيعزلك .
فغضب الوالي .
فقالت له : لا تغضب إن النفوس تعلم أمورا بعلامات ..
فإن الإسكندر لما دخل عندي كنت أدبر طول الثوب و عرضه .. و أنت لما دخلت فرغت منه و أردت قطعه .
فكان الأمر كما قالت ..
و حكى صاعد بن محمود النهاوندي أنه كان ببغداد عراف من الطرقيين يخبر بأشياء قلما يخطئ فيها فجائه رجل و قال له : إن لي مسألة إن أصبت فلك كذا و كذا .
فقال : سلها .
فقال : إن أخرجتها لك لا أطمئن إلى جوابها .
فمكث يسيرا ثم قال : تريد أن تسألني عن محبوس .
فقال أصبت و الله فأخبرني عن حبسه ؟
فقال الشرط أملك ,إذا وفيت بالوعد أخبرتك بحاله .
فمضى الرجل إلى بيته و أتاه بما و عده و قال : أخبرني عن حبسه .
فقال : إنه يخرج عن قريب و يُخلع عليه.
فلم يمضي أيام حتى كان الأمر على الحو الذي تنبأبه و قاله .
فأتى السائل إلى العراف و قال له : أخبرني بكيفية معرفتك أمر هذا المحبوس ؟
فقال له : اعلم أني اذا سُألت عن شي فإني أنظر أمامي و عن يميني و يساري فإن رأيت شيئا يكون بينه و بين المسؤول مناسبة أو مشابهة أجبت على وفق ذلك ..
فإنك لما سألتني رأيت قربة فيها ماء مع رجل سقاء .. فقلت السؤال عن محبوس و لما سألتني ثانية رأيت القربة بعينها قد أفرغت و ألقاها الرجل السقاء على منكبه فقلت : يخرج و يُخلع عليه ..
و الله أعلم بغيبه ..