قال الزمخشري في تفسير قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)[المائدة: 35]، الوسيلة كل ما يتوسل به أي يتقرب من قرابة أو صنيعة أو من غير ذلك، فاستعيرت لما يتوسل به إلى الله - تعالى -من فعل الطاعات وترك المعاصي، وأنشد للبيد:
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم *** ألا كل ذي لب إلى الله واسل
وقال الألوسي في تفسير الآية المذكورة: الوسيلة هي فعيلة بمعنى ما يتوسل به ويتقرب إلى الله - عز وجل - من فعل الطاعات وترك المعاصي من وسل إلى كذا أي تقرب بشيء. ولعل المراد بها الاتقاء المأمور به. كما يشير إليه كلام قتادة فإنه ملاك الأمر كله، والذريعة إلى كل خير. وقيل الجملة الأولى: (اتَّقُوا اللَّهَ) أمر بترك المعاصي، والثانية: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) أمر بفعل الطاعات.
وأخرج ابن الأنباري وغيره عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الوسيلة الحاجة.
وأنشد عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة *** إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
وكأن المعنى: اطلبوا إليه حاجتكم متوجهين إليه، فإن بيده "عز شأنه" مقاليد السموات والأرض، ولا تطلبوها متوجهين إلى غيره فتكونوا كضيف عاذ بقرملة[1].
وقال البيضاوي في تفسير الآية المذكورة: الوسيلة ما تتوسلون به إلى ثوابه، والزلفى منه من فعل الطاعات وترك المعاصي، من وسل إلى كذا إذا تقرب إليه، وفي الحديث: «الوسيلة منـزلة في الجنة" أ. هـ.
وقال النسفي: الوسيلة هي كل ما يتوصل به أي يتقرب من قرابة أو صنيعة أو غير ذلك، فاستعيرت لما يتوسل به من فعل الطاعات وترك السيئات.
وقال أبو السعود: هي فعلية بمعنى ما يتوسل به ويتقرب إلى الله - تعالى -من فعل الطاعات وترك المعاصي من وسل إلى كذا تقرب إليه بشيء، وجاء في تفسر الجلالين: الوسيلة ما يقربكم إليه من طاعته.
وقال ابن جرير الطبري في قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)[المائدة: 35]، يعني جل ثناؤه: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله فيما أخبرهم ووعدهم من الثواب، وأوعد من العقاب (اتَّقُوا اللَّهَ) يقول أجيبوا الله فيما أمركم ونهاكم من الطاعة له في ذلك، وحققوا إيمانكم وتصديقكم ربكم ونبيكم بالصالح من أعمالكم ? وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ? يقول: واطلبوا القربة إليه بما يرضيه، والوسيلة هي الفعلية من قول القائل: توسلت إلى فلان بمعنى تقربت إليه. ومنه قول عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة *** إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
يعني بالوسيلة القربة، ومنه قول الآخر:
إذا غفل الواشون عدنا لوصلها *** وعاد التصافي بيننا والوسائل
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، ثم روى بعد ذلك عطاء أنها القربة، وعن مجاهد "ابتغوا إليه الوسيلة" أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه.
أسوق إلى فطنتك هذه النصوص الصريحة الواضحة من أقوال اللغويين والمفسرين، وإليهم يرجع الأمر في فهم معاني الكلمات القرآنية، عسى أن تقتنع بأن الوسيلة هي كل ما يتقرب به إلى الله - تعالى -من فعل الطاعات وترك المعاصي.
وأن التوسل هو ابتغاء الوسيلة إلى الله - تعالى -أي التقرب إليه تلك هي الوسيلة الحق التي يدعو الله الناس إليها، فأداء الفرائض وسيلة، وترك المحرمات وسيلة، وطلب العلم النافع وسيلة وتلاوة القرآن مع التدبر وسيلة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيلة، والصدقة وسيلة، والإصلاح بين الناس وسيلة، الكلمة الطيبة تدخل بها السرور على المؤمن وسيلة، والاشتراك في أعمال البر وسيلة والمعروف وسيلة، وإماطة الأذى عن الطريق وسيلة.
وبعد ذلك العرض لأقوال المفسرين خلص - رحمه الله - إلى أن قوله- تبارك وتعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة: 35]، يتضمن خمس أمور:
1- نداء المؤمنين لتنبيههم إلى ما يراد منهم.
2- أمرهم بالتقوى.
3- أمرهم بابتغاء الوسيلة إلى الله - تعالى -.
4- أمرهم بالجهاد في سبيل الله.
5- فلاح من يستجيب لله - تعالى -ويطيع أمره.
فلو استجاب الناس لربهم واتقوه لسعدوا في الدنيا والآخرة وكانوا من الفائزين المفلحين[2] ثم ذكر بعد ذلك أنه فيما يختص بالأمر بابتغاء الوسيلة إلى الله هو أن ابتغاء الوسيلة طلبها. قال الفيروز أبادي: بغيته أبغيه بغاه، وبغي وبغيته بالكسر طلبته كابتغيته، وأول شيء يقربك إلى الله وتبتغي به الوسيلة هو:
1- الاعتراف بوجود الله - تعالى -والإقرار بوحدانيته[3].
2- الإقرار برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -. وإليك بيان ذلك.
________________
[1] شجرة ضعيفة بلا شوك تنفضخ إذا وطئت.
[2] كتاب "الوسيلة"، تأليف أبو الوفاء درويش، ص: 26-31.
[3] الأولى أن نقول «الإقرار بالخالق - سبحانه - وبوحدانيته»، وذلك لأن التعبير بوجود الله أخذ الناس منه تعبيراً آخر وهو "الله موجود" وهذا تعبير له خطره، لأن "موجود" اسم مفعول، والمفعول له فاعل أي واجد- تعالى -الله عن ذلك، فالله - سبحانه - )لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (المحقق)