الأطفال زينة من زينة الدنيا، ولغة سهلة بريئة في التعبير عن الحياة، وصدق الأول حين قال:
وإنما أولادنا بيننا أكبادنا تمشي على الأرض
هكذا هم الأطفال في أعين آبائهم وأمهاتهم، وقد صح عن رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يداعب هؤلاء الأطفال، ويسلم عليهم حتى قال عنه أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يدخل علينا ولي أخ صغير يُكنى أبا عمير، وكان له نغر يلعب به، فمات، فدخل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فرآه حزيناً فقال: ((ما شأنه))؟ قالوا: مات نغره، فقال: ((يا أبا عمير ما فعل النغير))1.
لذا عليك أيها الإمام الفاضل أن تتعامل مع هؤلاء الصغار إذا دخلوا المسجد بألطف معاملة، وأطيبها وألينها، برفق وحكمة وتعقل لا بعنف وقوة، فلا تخوفهم أو ترهبهم.
ولربما حصل لهم موقف واحد جعل في قلوبهم عقدة من المساجد وأهل المساجد، وهم وإن كانوا صغاراً إلا إن لهم نفوساً ومشاعر، فرفقاً أيها الإمام بالصبيان خاصة في هذا الشهر الكريم، حتى يحبوا المساجد، ويتعودوا عليها، ويتعلموا من المسلمين الصلاة والأدب.
وانظر أيها الإمام الكريم إلى فقه الشيخ ابن عثيمين في هذه المسألة حين قال - رحمه الله -: "إنَّ الصبيان إذا تقدَّموا إلى مكان، فهم أحقُّ به مِن غيرهم؛ لعموم الأدلَّة على أنَّ مَن سبقَ إلى ما لم يسبق إليه أحدٌ فهو أحقُّ به، والمساجدُ بيوتُ الله يستوي فيها عباد الله، فإذا تقدَّم الصبيُّ إلى الصفِّ الأول - مثلاً - وجَلَسَ فليكنْ في مكانِه، ولأننا لو قلنا بإزاحة الصِّبيان عن المكان الفاضل، وجعلناهم في مكان واحد؛ أدى ذلك إلى لَعبِهم؛ لأنَّهم ينفردون بالصَّفِّ، ثم هنا مشكل إذا دخل الرِّجالُ بعد أن صفَّ الجماعة هل يُرجعونهم، وهم في الصلاة؟ وإن بَقَوا صفًّاً كاملاً فسيُشوِّشون على مَنْ خلفَهم مِن الرِّجَال.
ثم إنَّ تأخيرهم عن الصَّفِّ الأول بعد أن كانوا فيه يؤدِّي إلى محذورين:
المحذور الأول: كراهة الصَّبيِّ للمسجدِ؛ لأن الصَّبيَّ - وإنْ كان صبيًّا - لا تحتقره، فالشيء ينطبع في قلبه.
المحذور الثاني: كراهته للرَّجُل الذي أخَّره عن الصَّفِّ"2.
نسأل الله - تعالى - أن يوفق كل إمام لما يحب ويرضى، وأن يرشده سواء السبيل، ويوفقه للخير والصواب، ويجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، والحمد لله رب العالمين.
م/ن