إذا لم تبك من خشية الله فابك على نفسك
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لقد غاب عن حياة الكثيرين منا وسمة ربانية، أنستنا الدنيا ومشاغلها،وهي صفة قد امتدح الله ورسوله ,صلى الله عليه
وسلم فاعليها,نعم، لقد فَقدنا البكاء من خشية الله,وغاب عنا هذا السمت البكائي وندر،إنما هي رقة في القلوب،فهناك من
في قلبه رِقة، وهناك من في قلبه قسوة، وكل هذه مبررات واهِية، وحجج ساقطة,إذا لم تبك من خشية الله، فابك على
نفسك,كثير منا من يقرأ القرآن,ولكن لا تدمع عيونه من خشية الله، وكثير منا من يستمع إلى أحاديث تذكره بالآخرة،وتخوفه
بالنار، وتحببه في الجنة, ولكن قلبه لا يخشع،ولا يخضع،ولا يلين، فقد عمت البلوى، وانـتشرتِ المعاصي والآثام، فلم يبقَ
لهذا القلب خوف منَ الله، ولم يبقَ لهذه العين خَشيَة حتى تدمع شوقاّ إلى الله,لـيسأل الواحد منا نفسه,متى آخر مرة دمعت
عيناك خشية وخوفاّ منَ الله,ولعل جواب كثير منا قد يكون,من سنوات عديدة، أو أنها لم تدمع أَصلاً خشية لله,فلماذاهذه
القسوة في القلوب,والتحجر في العيون,ما هو إلاَّ بسبب الابتعاد عن منهج الله,والركون إلى هذه الدنيا الفانية,فقد نقرأ
القرآن ولا نتأثر ولا نبكي ونسمع أحاديث النبي,صلى الله عليه وسلم,ولا تقشعر الجلود ونسمع المواعظ والتخويف بالله
وبالآخرة,ولا تحرك فينا ساكناّ,وحسبنا هذا التهديد الإلهي المخيف(فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال
مبين)قال مالك بن دينار,رحمه الله,ما ضرب الله عبدًا بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله,عز وجل,على قوم إلاَّ
نزعَ منهـتم الرحمة,إن البكاء من خشية الله,تعالى,مقام عظيم وهو مقام الأنبياء والصالحين,إنه مقام الخشـوع وإراقة
الدمـوع خوفًا منَ الله إنه التعبير عن حزن القلب وانكسار الفؤاد,يقول الله,سبحانه وتعالى,عن أولئك الذين تدمع عيونهم
من خشية الله، وترق قلوبهم لذكر الله, يقول سبحانه وتعالى(وإذا سمعوا ماأنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع
مما عرفوا من الحق يقولوت ربنا اّمنا فاكتبنا مع الشاهدين)ويقول عنهم,سبحانه أيضًا(إذا تتلى عليهم اّيات الرحمن خروا
سجداّ وبكياّ)إن البكاء مِن خشية الله تعالى,مِن أعظم الأمور التي يحبها الله تبارك وتعالى,قال(ليس شيء أحب إلى الله من
قطرتين وأثرين، قطرة من دموع في خشية الله، وقطرة دم تُهراق في سبيل الله)الحديث,رواه الترمذي، وصححه
الألباني,ويقول,صلى الله عليه وسلم(عينان لا تمسهما النار,عين بكت مِن خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل
الله)رواهما الترمذي، وصححهما الألباني,ما رق قلب لله,عز وجل,إلاَّ كان حريصًا على طاعة الله ومحبته,ما رق قلب
لله,وعز وجل,إلاَّ وجدتَ صاحبَه مطمئنًّا بذكر الله,وما رق قلب لله,عز وجل,إلا وجدته أبعد ما يكون عن معاصي
الله ,عز وجل,فالقلب الرقيق قلب ذليل أمام عظمة الله،وبطشه تبارك وتعالى,ماانـتزعه داعي الشيطان إلاَّ وانكسر
خوفاّ,وخشية للرحمن,ومن أعظم أسباب القسوة للقلب، وقلة البكاء من خشية الله,الركون إلى الدنيا,والغرور بأهلها,وكثرة
الاشتغال بفضول أحاديثها,فوالله ما تحجرت العيون، وقست القلوب إلاَّ بتراكم المعاصي والآثام,فأصبح القلب لا يجد
مساغًا لآيات تتلى وأحاديث تذكر,فقد أظلم هذا القلب بِشؤم المعصية،فكيف لقلبٍ علاه الران أن يبكي مِن خشية الله,وكيف
لقلب سودته المعاصي والآثام أن يتفكر في خلق الله,يقول الحسن البصرى,والله يا بن ادم لو قرأت القرأن ثم آمنت به
ليطولن حزنك وليشتدن خوفك، وليكثرن فى الدنيا بكاؤك,ومن علامات رقة القلب, ألاَّ يفتر صاحبه عن ذكر ربه، فإن ذكر
الله تطمئن به القلوب(الذين اّمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)وفي القلب فاقة لا يسدها إلاَّ ذكر
الله، فيكون صاحبه غنيًّا بلا مال,عزيزًا بلا عشيرة
مهيبًا بلا سلطان,قال رجل للحسن البصري,يا أبا سعيد،
أشكو قسوة قلبي، قال, أذِبه بذكر الله,ومن علامات رقة القلب,أن يكونَ صاحبه إذا دخل في الصلاة ذهب عنه همه
وغمه بالدنيا ,ووجد فيها راحته ونعيمه وقرة عينه وسرور قلبه,نحن الواحد منا إذا دخل في الصلاة تذكرَ أمور دنياه،
وما هذا إلاَّ لقسوة في القَلب,ومن علامات رقة القلب,أن صاحبه يخلو بر به، فيتضرع إليه ويدعوه، ويتلَذذ بين يديه
سبحانه,قال ابن مسعود,رضي الله عنه,اطلب قلبكَ في مواطن ثلاثة,عند سماع القرآن،وعند مجالس الذكر،وفي أوقات
الخلوة،فإن لم تجده فسل الله قلبًا, فإنه لا قلب لك,ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ,أنه كان إذا صلى سمع لصدره أزيز
كأزيز المرجل منَ البكاء,أي,كصوت القدر إذا اشتد غليانه,رواه أبو داود، وأحمد، والنسائي,أما آن الأوان لكي
يخشع قلبك ويرق حالك,فربك جل في علاه يقول(الله أنزل أحسن الحديث كتاباّ متشابهاّ مثاني تقشعر منه جلود الذين
يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله)
اللهم ياعزيز ياجبار إجعل قلوبنا تخشع من تقواك, واجعل عيوننا تدمع من خشيتك وجعلنا يارب من اهل التقوى وأهل المغفرة
اللهم اّمين.