بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز ((من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ))
أيها الاحبه الكرام : في هذه الأيام التي تعيشها امتنا الإسلامية جمعاء وفي هذه المحنه التي نسأل الله تعالى أن يجعل عاقبتها خيرا؛ في هذه الأحداث يحتاج المسلم للمثبتات التي تثبت دينه وتثبت عقيدته . وان أهم ما يثبت إيمان المؤمن في مثل هذه الأحداث بعد الاستعانة بالله ؛قراءة سيرة السلف الصالح قراءة سيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي حياتهم العبر وفي حياتهم المثل الاعلى والقدوة الحسنة . واليوم نستضيف واحدا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم له دور بارز في الدعوة الإسلامية . انه الصحابي الجليل ( حذيفة بن اليمان ) رضي الله عنه حذيفة هذا اسلم قبل أن تكتحل عيناه بمرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم
والده ( اليمان ) مكي من بني عبس أصاب دما في قومه فخرج عن مكة ونزل في يثرب وحالف بني ((عبد الأشهل ))وتزوج منهم وولد له ابنه حذيفة ولما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان شوق حذيفة إلى لقاء رسول الله يملأ جوانحه فقد التقى حذيفة بالرسول صلى الله عليه وسلم في مكة قبل الهجرة وقال له يارسول الله أمهاجر أنا أم أنصاري ؟ فقال عليه الصلاة والسلام ( إن شئت كنت من المهاجرين وان شئت كنت من الأنصار فاختر لنفسك ما تحب )
فقال: بل أنصاري يا رسول الله . وفي المدينة لازم حذيفة رسول الله ملازمة العين لأختها وشهد معه المواقع كلها إلا بدراً فقد كان مع والده خارج المدينة .
وفي أحد أبلى حذيفة فيها بلاءً حسناً وخرج منها سالماً . أما أبوه فقد استشهد في تلك الغزوة ولكن بسيوف المسلمين . فقد وضعه رسول الله (ص) مع صحابي أخر اسمه ( ثابت بن وقش ) في الحصون مع النساء والصبيان وذلك لأنهما كانا شيخين كبيرين ولما حمي وطيس المعركة قال اليمان لصاحبه :
لا أبالك ما ننتظر؟ فوالله ما بقي لواحد منا من عمره إلا بمقدار ما يظمأ الحمار وإنما نحن سنموت اليوم أو غداً أفلا نأخذ سيفينا ونلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا الشهادة مع نبيه . وبالفعل يخرجان ويدخلان المعركة أما ثابت فأكرمه الله بالشهادة وأما اليمان فتتابعت عليه سيوف المسلمين وهم لا يعرفونه وجعل حذيفة ينادي أبي _ أبي _ فلا يسمعه احد .
ويصل حذيفة بعد استشهاد والده فما زاد على أن قال ( يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين ) وأراد النبي (ص) أن يعطي حذيفة دية أبيه لكن حذيفة قال :
يا رسول الله إنما هو طالب شهادة وقد نالها . اللهم اشهد أني قد تصدقت بديته على المسلمين .
ومن يومها ازدادت منزلته عند رسول الله وعلا قدره . ولهذا خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسره فكان يدعى ( صاحب سر رسول الله (ص) )
فقد ذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء المنافقين واحداً واحداً .
وقد استعان النبي صلى الله عليه وسلم بمواهب حذيفة في موقف من اشد المواقف التي مرت على المسلمين وذلك في غزوة الخندق حيث أحاط الكفار بالمدينة من كل الجهات وحاصروهم وطال عليهم الحصار حتى زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وبدأ اليهود بالكيد للمسلمين من داخل المدينة وخانوا العهود والمواثيق ( وهذا شأنهم ) في هذه المواقف من الحروب يكون الفريق الخاسر هو الذي يئن اولاً والفريق الرابح من يضبط نفسه لحظةً بعد صاحبه .
هنا يحتاج النبي صلى الله عليه وسلم لطاقات حذيفة . ولنترك لحذيفة الكلام يحدثنا عن هذه الرحلة :
قال حذيفة : كنا في تلك الليلة صافين قعوداً وأبو سفيان ومن معه فوقنا وبنو قريظة من اليهود أسفل منا نخافهم على نسائنا وذرارينا وما أتت علينا ليلةٌ قط اشد ظلمة ولا أقوى ريحاً منها فأخذ المنافقون يستأذنون الرسول ويقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة حتى بقينا نحواً من ثلاثمائة .
ويمر النبي صلى الله عليه وسلم بنا واحداً واحداً حتى أتى إلي وما علي شيء يقيني من البرد إلا مرط لامرأتي ما يجاوز ركبتي . فاقترب مني وأنا جاث على الأرض وقا ل من هذا ؟ فقلت حذيفة : قال : حذيفة ؟ فتقاصرت إلى الأرض كراهية أن أقوم من شدة الجوع والبرد وقلت : نعم يا رسول الله فقال :
( انه كائن في القوم خبر فتسلل إلى عسكرهم وأتني بخبرهم ) فخرجت وأنا من اشد الناس فزعاً وأكثرهم برداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته )
فوالله ما تمت دعوة النبي حتى انتزع الله من جوفي كل ما أودعه من خوف وأزال عن جسدي كل ما أصابه من برد . فلما وليت ناداني رسول الله وقال :
يا حذيفة لا تحدثن في القوم شيئاً حتى تأتيني )
ومضيت حتى أتيت القوم فقال أبو سفيان سأقول لكم قولاًًً أخشى أن يبلغ محمداً فلينظر كل واحد من جليسه فما كان مني إلا أن أخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي وقلت من أنت ؟ قال فلان بن فلان . وهنا يقرر أبو سفيان الرحيل وتنهزم قريش أمام جند الله ويرجع حذيفة إلى النبي ويبلغه الخبر فيدعو له النبي صلى الله عليه وسلم . وتدنو ساعات رحيل حذيفة عن الحياة ويشتد عليه المرض ويأتيه الصحابة فيقول أي ساعة هذه ؟ فقالوا نحن قريب من الصبح . فقال : أعوذ بالله من صباح يفضي بي إلى النار – أعوذ بالله من صباح يفضي بي إلى النار .
ثم قال : اللهم انك كنت تعلم أني أحب الفقر على الغنى وأحب الذلة على العز وأحب الموت على الحياة .
اللهم أرحم حذيفة وأجمعنا به
وبرسولك المصطفى
وأجزه عنا خير الجزاء .
منقول
__________