بسم الله الرحمن الرحيم
أثر النية في العمل وفيه مبحثان:
1. أثر النية في صلاح العمل.
2. أثر النية في فساد العمل.
أثر النية في صلاح العمل:
إن صلاح العمل مرتبط بالنية وراجع إليها، فإذا صلحت النية وخلصت لله - جل وعلا - كان العمل صالحًا، وكان جزاء ذلك صحة العمل في الدنيا، وبراءة الذمة منه، والإثابة عليه في الآخرة، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظلمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ (سورة طه آية: 112)، والمعنى: أنهم لا يظلمون ولا يهضمون، أي: لا يزاد في سيئاتهم، ولا ينقص من حسناتهم، وتتفاوت درجات العمل، وعليه تتفاوت درجات الإثابة، وذلك حسب تفاوت درجات النية في الإخلاص، والصدق، والمحبة، وذلك يتبين من الأمثلة التالية:
الإخلاص في العمل:
معنى الإخلاص:
المصافاة وهو تصفية العمل بصالح النية من جميع شوائب الشرك، يقال: خلص الشيء بالفتح خلوصا أي صار خالصًا، وسميت سورة (قل هو الله أحد) بسورة الإخلاص لأنها خالصة في صفة الله تعالى خاصة، أو لأن اللافظ بها أخلص التوحيد لله تعالى.
وحقيقة التقوى الإخلاص، وفي الحديث الذي يرويه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ) إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم (، فنظر الله - جل وعلا - إلى قلوب عباده المؤمنين، وأعمالهم لا إلى صورهم وأموالهم، فإن هذه مرتبطة بالقلوب، وتابعة لها، فمرد الأعمال كلها إلى القلوب والمميز لها النية، ولهذا حصر النبي -صلى الله عليه وسلم- صحة الأعمال الشرعية كلها في النية فقال -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه من حديث عمر بن الخطاب: ) إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (.
وهل الأعمال الخالية عن عمل القلب إلا بمنزلة حركات العابثين، وغايتها أن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب، قال ابن تيمية -رحمه الله-: (والمخلص هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله -عز وجل- ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله)، وهذه الحالة أعلى درجات الإخلاص، وبالضرورة فإن الناس متفاوتون في درجات الإخلاص، فأعلاهم وأكملهم في الإخلاص رسل الله وأنبياؤه، وأكمل رسل الله إخلاصًا أولو العزم منهم، وإمامهم في ذلك محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخليل الله إبراهيم عليه السلام، ثم أتباع الرسل على حسب مراتبهم في الإخلاص.
النية في تعلم العلم:
وتعلم العلم الشرعي من أفضل الطاعات، وأجل القربات، وشواهده من القرآن والسنة وكلام أهل العلم كثيرة، أما من القرآن فقول الله تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ (سورة آل عمران آية: 18)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ) من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين (، وحيث تبين فضل العلم والتعلم والتعليم، فإن للتعلم والتعليم آدابًا ينبغي التحلي بها، وآفات ينبغي تجنبها والابتعاد عنها، فأما المتعلم فيجب أن يكون قصده في تعلمه في الحال تحلية باطنه وتجميله بالفضيلة، وفي المآل القرب من الله سبحانه، والترقي إلى جوار الملأ الأعلى من الملائكة والمقربين، ولا يقصد به الرئاسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ومباهاة الأقران، وأما المعلم والمرشد للأمة فإن عليه أن يقتني العلم كما يقتني المال، فله حال طلب واكتساب، وحال تحصيل يغني عن السؤال، وحال استبصار، وهو التفكر في المحصل والتمتع به، وحال التبصر وهو أشرف الأحوال، فمن علم وعمل وعلّم، فهو الذي يُدْعَى عظيمًا في ملكوت السماوات، وشرط هذه الدرجات الثلاث الإخلاص، فمتى فقد الإخلاص فيها فقد ثمرتها، وفائدتها، والناس يتفاوتون في هذا تفاوتًا عظيمًا.
النية في الجهاد في سبيل الله تعالى:
الجهاد مأخوذ من بذل الجهد والطاقة، والجهاد بالكسر القتال مع العدو، يقال: جاهد في سبيل الله مجاهدة وجهادًا، وهو في عرف الشرع جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته.
أما الجهاد الاصطلاحي: وهو المقصود هنا فهو القتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الله ونشر دينه، وهو من أفضل الأعمال وأجلها عند الله -عز وجل- وورد في فضل الجهاد والأمر به نصوص كثيرة من القرآن والسنة، قال تعالى: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (سورة التوبة آية: 41)، وروى أبو سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل: أي المؤمنين أكمل إيمانًا قال: ) رجل يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله، ورجل يعبد الله في شعب من الشعاب قد كفى الناس شره (، وبالجملة فالجهاد فيه فضل كبير جاء به الكتاب العزيز، والحديث الصحيح، ومن أهم ما يقدم بين يدي الجهاد قبل الخروج إليه حسن النية، والاهتمام بها والتعويل عليها، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيانها أتم بيان، حين جاءه الأعرابي فقال: ما القتال في سبيل الله؟ فإن أحدنا يقاتل غضبًا ويقاتل حمية فرفع إليه رأسه فقال: ) من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله (.
وبعد؛ فنستطيع أن نقسم حال العامل مع عمله إلى خمسة أقسام:
1. أن يقصد الجهاد وتخلص نيته له: وهذا أعلى المراتب وأكملها.
2. أن يخرج للجهاد وهو لا يريد إلا الدنيا: فهذا النوع عمله حابط وليس له إلا ما نوى.
3. أن يخرج لقصد الجهاد ولغرض من أغراض الدنيا ولكن الجهاد أرجح: فهذا يجزى على نيته الراجحة لأنها أكمل وهي الباعثة على العمل.
4. أن يقصد الجهاد وغرضًا من أغراض الدنيا لكن العمل الدنيوي أرجح: فيجزى على نيته الراجحة فيحبط عمله لأنه لم يرد بعمله وجه الله والدار الآخرة.
5. أن يقصد الجهاد وغرضًا من أغراض الدنيا وهما على حد سواء: فهذه الحالة تلحق بما قبلها لأنها إلى عمل الدنيا أقرب.
وعلى كل حال فالإخلاص أمره عظيم ومدافعة الرياء أمر صعب وشاق ولكنه يسير على من يسره الله عليه.
أثر النية في فساد العمل:
إن فساد العمل مرتبط بفساد النية، وراجع إليها، فإذا فسدت النية ولم تخلص لله -عز وجل- كان العمل فاسدًا، وترتب على ذلك بطلان العمل في الدنيا، ولم تبرأ الذمة منه، ولا ثواب له في الآخرة، ومهما عمل من الأعمال مع فساد النية، وعدم الإخلاص لم يترتب عليه الثواب، وكانت أعماله هباءً منثورًا قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ (سورة النور آية: 39) وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ (سورة الكهف آية: ) وفساد العمل المترتب على فساد النية يتضح في الشرك بالله، والرياء، والنفاق، فالعمل بغير نية عناء، والنية بغير إخلاص رياء، والإخلاص من غير صدق وتحقيق هباء، إذن خلاصة القول: إن مدار العبادة على الإخلاص فمتى تحقق الإخلاص صح العمل فكل أعمال القربة قليلها وكثيرها مرده إلى الإخلاص؛ إذ لا وصول للسعادة إلا بالعلم والعبادة.
المصدر:
· (النية وأثرها في الأحكام الشرعية) لصالح السدلان.
· (الإخلاص) لابن رجب الحنبلي.
· (جامع العلوم والحكم) لابن رجب.
· (نيل الأوطار) للشوكاني.