الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الإسلام لا يُعنى فقط ببيان الحق وإظهاره حتى تستبين سبيل المؤمنين الصالحين فحسب، إنما يُعنى كذلك ببيان الباطل وكشفه حتى تستبين سبيل الضالين المجرمين، وذلك لأن استبانة سبيل المجرمين ضروريةٌ لاستبانةِ سبيلِ المؤمنين، فمن لم يعرف إلا سبيلَ الخير فقط معرض أن يأتيه سبيلُ الشر فلا يعرفُ أنه شرٌّ، فإما أن يقعَ فيه، وإما أن لا ينكرَه كما أنكره الذي عرفه.
وممَّا يبيِّن أهميَّة بيان سبيل المجرمين أنَّه تعالى فصَّل لنا وسائلَ وأساليبَ وحجج المجرمين، وردَّ عليها داحضاً لها، فمعرفة المداخل التي يدخل بها أهل الزيغ والهوى لإقناع من يريدون ضمَّه إليهم وفقه مسالكهم لذلك، ومعرفة الأشياء بأضرارها مسلكٌ قرآني عظيم، وأصلٌ نبَّه عليه الله -سبحانه وتعالى- فقال: ﴿ وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ (سورة الأنعام: الآية 55)، كما قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ (سورة البقرة: الآية 256).
وكان حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- يقول: "كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي".
ويروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "يوشك أن تُنقضَ عرى الإسلام عروةً عروةً إذا نشأ في الإسلام مَن لا يعرف الجاهليةَ".
وقال شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مُعقبًا على ذلك: "وهو كما قال عمر، فإن كمال الإسلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتمام ذلك بالجهاد في سبيل الله، ومن نشأ في المعروف ولم يعرف غيره, فقد لا يكون عنده من العلم بالمنكر وضرره, ما عندَ مَن عَلِمَه، ولا يكون عنده من الجهاد لأهله ما عند الخبير بهم، ولهذا يوجد الخبير بالشر وأسبابه -إذا كان حسن القصد- عنده من الاحتراز عنه ومنع أهله والجهاد لهم ما ليس عند غيره. ولهذا كان الصحابة -رضي الله عنهم- أعظم إيماناً وجهاداً ممن بعدهم, لكمال معرفتهم بالخير والشر، وكمال محبتهم للخير وبغضهم للشر، لما علموه من حُسن حال الإسلام والإيمان والعمل الصالح وقبح حال الكفر والمعاصي".
وفي الحكمة: الضد يظهر حسنه الضد، وبضدها تتميز الأشياء.
وكما قال الشاعر:
عَرَفْتُ الشّرَّ لا لِلشّرِّ لَكِنْ لِتَوَقّيهِ
| وَمنْ لَمْ يَعْرِفِ الشّرَّ منَ الناسِ يقعْ فيهِ
|
وتشتد حاجة المسلم اليوم إلى معرفة سبيل المجرمين على التفصيل، ولا سيما وهو اليوم يعيش معركة يقف فيها أمامه أكابر مجرمي العالم، ينفذون أوامر أسيادهم من اليهود، فينشرون فكرًا قذرًا وأدبًا مريضًا يقود إلى سبيلهم، يحاولون به هدم الدين وتخريب الأخلاق وتدمير الأجيال، حتى يخرجوا أجيالاً مدمرة مهدمة لا تعرف ربها ولا ترضى بدينها. والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على النبي، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
م/ن