انــــــــواع المناسبات :
المناسبات في القران الكريم أنواع كثيرة منها :
1/ المناسبة بين الآية والآية التي تليها :
ومثاله قوله تعالى ((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ))
حيث ذكر محاسبته على الحسنات فناسب أن يذكر محاسبته على السيئات ((وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)) الزلزلة الايه 8
ومنها قوله تعالى ((أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ {17} جاء بعدها (( وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ {18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ))[ الغاشية] .
فإن قيل : ماوجه الجمع بين الإبل والسماء والجبال والأرض في هذه الآيات ؟
انه جمع بينها على مجرى الإلف والعادة بالنسبة إلى أهل الوبر ،فإن كل انتفاعهم في معايشهم من الإبل ،فتكون عنايتهم مصروفه إليها،ولا يحصل إلا بان ترعى وتشرب ن وذلك بنزول المطر ،وهو سبب تقلب وجوههم في السماء ،ثم لابد لهم من مأوى يؤويهم ، وحصن يتحصون به ، ولاشئ في ذلك كالجبال ، ثم لاغنى لهم لتعذر طول مكثهم في منزل عن التنقل من ارض إلى سواها فإذا نظر البدوي في خياله وجد صورة هذه الأشياء حاضرة فيه على ترتيب المذكور
2/ المناسبة بين أول السورة وخاتمتها :
ومثاله أول سورة البقرة ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )) الايه 3
وفي أخرها ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا ...)) 285.
وأول سورة المؤمنون ((قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ )) الايه 1 وآخرها ((إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ )) 117.
وأول سورة ن~ (({مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } وأخرها (((( وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ))القلم 51
وأول سورة ص ((ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ( 1 )
وأخرها ((إن هو إلا ذكر للعالمين ( 87))
3 / المناسبة بين خاتمه السورة وفاتحة السورة التي تليها :
ومثال ذلك أخر سورة الإسراء ((وَقُلِ الْحَمْدُ لله الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا)) 111
وأول سورة الكهف التي تليها ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ... الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا )) 1
وأخر سورة الطور ((وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ [الطور:4 وأول سورة النجم التي تليها ((وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى )) 1
وأخر سورة الواقعة ((فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ 96 وأول سورة الحديد ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(1)
قوله تعالى في بداية سورة القصص(( "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ" (4)))
فوصف فرعون بصفتين العلو والفساد ثم في آخر السورة نفى هاتين الصفتين عن من جعل الله له الفوز في الدار الآخرة فقال جل شأنه "(( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ "(83)))
وجوه المناسبــــــــــــــــات :
ووجه المناسبة بين الآيات له أنواع كثيرة منها :
1 / التنظير :
فإن إلحاق النظير من شأن العقلاء، ومن أمثلته قوله تعالى ((كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ )) سورة الأنفال الايه 5 بعد قوله سبحانه ((أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً)) الايه 4
فان الله تعالى أمر رسوله أن يمضي لأمره في الغنائم على كره من أصحابه ، كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير في غزوه بدر وهو كارهون .
وذلك أنهم اختلفوا في القتال يوم بدر في الأنفال ،وحاجوا النبي صلى الله عليه وسلم وجادلوه ،وكره كثير منهم تقسيم الغنائم كما كرهوا الخروج ، وقد تبين لهم في الخروج خيرا كثيرا من الظفر والنصر والغنيمة وعز الإسلام وانتصار المسملين وهزيمة المشركين ، فكذا مافعله في قسمة الغنائم ،فليطيعوا أمره ويتركوا هوى أنفسهم
2 / المضادة :
وذلك كقوله تعالى ((ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَت نُوحٍ و امْرَأَت لُوط )) التحريم الايه 10 .
ذكر بعد ذلك مايضاده ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ ...)) الايه 11
3 / الاستطراد :
كقوله تعالى ((بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يذكرون )) سورة الأعراف 26
قال الزمخشري : هذه الايه واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو السوءات وخصف الورق عليها ،إظهار للمنة فيما خلق من اللباس ،ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة ، وإشعار بأن التستر باب عظيم من أبواب التقوى
4 / الانتقال :
ويراد به الانتقال من الحديث إلى آخر تنشيطا للسامع ، ومثاله : لما انتهى في سوره ص من الحديث عن الأنبياء عليهم السلام قال سبحانه ((هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب ( 49 ) )
فانتقل إلى نوع أخر من الحديث وهو ذكر الجنة وأهلها ،ولما انتهى من الحديث عن ذلك انتقل إلى نوع ثالث فقال ((هذا وإن للطغين لشر مآب )). الايه 55
فذكر النار وأهلها .
قال ابن الأثير : (( هذا )) في هذا المقام من الفصل الذي هو أحسن من الوصل وهي علاقة أكيدة بين الخروج من كلام إلى آخر
فسبحان من قال "قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ "
المرجع / كتاب دراسات في علوم القران / فهد الرومي
البرهان / الزركشي