ابطال السحر بالطرق الشرعية
الطرق الشرعية لإبطال السحر بإذن الله تعالى
أولاً : الرقى والتعاويذ :
إن الرقى والتعاويذ من أعظم ما يزيل السحر بعد وقوعه بإذن الله تعالى ، وهناك بعض الآيات أو السور التي ثبت نفعها في الرقية بشكل عام ، وكذلك ثبت وقعها وتأثيرها في طرد الأرواح الخبيثة وإيذائها بإذن الله تعالى
ثانياً : قيام الليل :
ومن أنفع وأنجع الوسائل لإزالة السحر هو قيام الليل واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالتضرع والإنابة لرفع المعاناة والألم ، خاصة في الثلث الأخير من الليل ، كما ثبت من أحاديث النزول الصحيحة التي تؤكد ذلك
وينصح المرضى
بقيام الليل وقراءة سورة البقرة بركعتين أو أكثر ، لما ثبت لهذه السورة من أثر عظيم ونفع جليل في علاج السحر وإبطاله ، فقد ثبت من حديث أبي إمامة – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله يقول : " اقرءوا سورة البقرة ، فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة – أي السحرة - " ) ( صحيح الجامع 1165 )
قصة واقعية :
فإن قيام الليل من النوافل التي يتقرب بها العبد إلى الله سبحانه وتعالى خاصة أن الحق جل وعلا يتنزل في الثلث الأخير من الليل تنزلا يليق بعظمته وجلاله سبحانه وتعالى مع إدراك وفهم هذا النزول بالكيفية التي فهمها السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم أجمعين
إن اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى من المبتلى بالأمراض والأسقام خاصة تلك التي تصيب النفس البشرية من صرع وسحر وعين وحسد وما لها من تأثيرات خطيرة ، هو لجوء عبد مضطر إلى رحمة خالقه سبحانه وتعالى ، وهو عز وجل قريب من عبده يسمع مناجاته وتضرعه
إن قراءة سورة البقرة في قيام الليل له نفع وتأثير في علاج الأمراض الروحية خاصة السحر لما ثبت من حديث أبي أمامة – رضي الله عنه – آنف الذكر
ولا يعني الكلام آنف الذكر إلزام الحالة المرضية المصابة بالسحر بالكيفية المشار إليها ، إنما اختيار هذا الوقت لثبوته في أحاديث النزول ، وكذلك اختيار هذه السورة العظيمة ( البقرة ) لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قام بها ، ولما لها من فضل في إبطال السحر كما ثبت في الحديث آنف الذكر
قال النووي – رحمه الله – معقبا على حديث ابن عمر – رضي الله عنه – عن رسول الله قال : " اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً " ( متفق عليه )
حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد من الرياء وأصون من المحبطات وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان ) ( صحيح مسلم بشرح النووي )
قال فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله - لا بأس بالصلاة عند النوم لدخولها في أدلة قيام الليل ولأن جنس الصلاة مما يعالج بها لقوله تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) ( البقرة – 45 ) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة رواه أحمد وغيره قال ابن القيم – رحمه الله - في زاد المعاد : والصلاة مجلبة للرزق حافظة للصحة دافعة للأذى مطردة للأدواء مقوية للقلب مبيضة للوجه مفرحة للنفس مذهبة للكسل منشطة للجوارح ممدة للقوى شارحة للصدر مغذية للروح منورة للقلب حافظة للنعمة دافعة للنقمة جالبة للبركة مبعدة من الشيطان مقربة من الرحمن الخ ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة – 573 ، 574
ثالثاً معرفة مكان السحر واستخراجه :
وهذه أفضل وأنجع وأسرع وسيلة لفك السحر ، كما ثبت من حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عائشة ! أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ؟ جاءني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي ، والآخر عند رجلي ، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي : ما وجع الرجل ؟ قال : مطبوب ، قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم ، قال : في أي شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة وجف قال طلعتي ذكر ، قال : فأين هو ؟ قال في بئر ذروان ، يا عائشة ! والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين ) ( متفق عليه ) ، وقد روي مثل ذلك الحديث عن أم المؤمنين -رضي الله عنها- بأسانيد مختلفة
قال ابن القيم – رحمه الله - : ( استخراج السحر وتبطيله هو أبلغ علاج كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأل ربه سبحانه وتعالى في ذلك فدله عليه فاستخرجه من بئر فكان في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر ، فلما استخرجه ذهب ما به حتى كأنما نشط من عقال
فهذا من أبلغ ما يعالج به المطبوب " المسحور " وهذا بمنزلة إزالة المادة الخبيثة من الجسد ) ( زاد المعاد – 3 / 104 )
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - : ( ومن علاج السحر أيضا - وهو من أنفع علاجه - بذل الجهد في معرفة موضع السحر من أرض أو جبل أو غير ذلك فإذا عرف واستخرج وأتلف بطل السحر ) ( فتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – برقم ( 8016 ) – الصادرة بتاريخ 22 / 1 / 1405 هـ )
الوسائل المشروعة لاستخراج السحر وإبطاله
1)- التوجه الخالص لله سبحانه وتعالى ودعائه لتفريج الكربة وإزالة الغمة : إن من أنجع وأنفع الوسائل التي قد يسلكها المريض بالسحر هو التوجه إلى الله سبحانه وتعالى ودعائه والتضرع إليه ، وهذا ما حصل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في صحيح الإمام مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - حيث قالت : ( فدعا ثم دعا ثم دعا ) ويقول الحق جل وعلا في محكم كتابه : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ) ( النمل – الآية 62 )
معرفة مكان السحر عن طريق الجن والشياطين :
وهنا لا بد من الإشارة لنقطة هامة جدا وهي أن يكون المعالِج على قدر كافي من العلم الشرعي والخبرة والتجربة والفراسة التي تؤهله لمعرفة صدق أو كذب الجني الصارع ، وأن يكون السؤال بقصد الاختبار والامتحان لا أن يكون بقصد التصديق والإقرار دون الدخول في أية مناقشات لا فائدة منها البتة ولا يتحقق من ورائها أي مصلحة شرعية 0
الاستخدامات المباحة :
الاستحمام بالماء : ومما جاء في علاج السحر ما ذكره ابن كثير في تفسيره حيث قال : ( أخبرنا أبو جعفر الرازي عن ليث وهو ابن أبي سليم قال : بلغني أن هذه الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور
والآيات هي : ( فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) ( يونس – الآية 79 ، 82 )
( فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِىَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا ءامَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ) ( الأعراف – الآية 118 ، 122 )
( وَأَلْقِ مَـا فِى يَمِينِـكَ تَلْقـَفْ مَـا صَنَعُــوا إِنَّمَــا صَنَعُــوا كَيْــدُ سَاحِــرٍ وَلا يُفْلِــحُ السَّاحِـرُ حَيْثُ أَتَى ) ( طه – الآية 65 ، 69 ) ( تفسير القرآن العظيم – 2 / 428 )
قلت : ولا بأس بعد قراءة ما ذكر في الماء أن يشرب منه بعض الشيء ويغتسل بالباقي ، وبذلك يزول الداء بإذن الله تعالى
تمر عجوة المدينة : للوقاية من السحر يستخدم سبع عجوات أو تمرات من تمر المدينة ، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ، فقد ثبت من حديث عامر بن سعد عن أبيه – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ) وقال غيره " سبع تمرات " ) ( متفق عليه
قال الخطابي كون العجوة تنفع من السم والسحر ، إنما هو ببركة دعوة النبي لتمر المدينة ، لا لخاصية في التمر ) ( فتح الباري – 10 / 239 )
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - : ( الصواب أنه علاج مستمر إلى يوم القيامة لإطلاق الحديث الشريف حديث سعد المذكور ، والصواب أيضا أن ذلك ليس خاصا بالعجوة بل يعم جميع تمر المدينة لقوله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم : " مما بين لابتيها " والله ولي التوفيق ) ( فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين – ص 173 )
قال فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان – حفظه الله - : ( وإن تيسر التصبّح بسبع تمرات من تمر العجوة فهذا سبب شرعي وحصن حصين من كل ساحر مريد ، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث عامر بن سعد عن سعد – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تصبح بسبع تمرات من تمر العجوة لم يصبه سم ولا سحر " ( متفق عليه ) وقد اشترط كثير من أهل العلم في التمر أن يكون من العجوة على ما جاء في الخبر ، ولكن ذهب آخرون من أهل العلم إلى أن لفظ العجوة خرج مخرج الغالب فلو تصبّح بغير تمر العجوة نفع ، وهذا قول قوي وإن كنت أقول إن تمر العجوة أكثر نفعاً وتأثيراً إلاّ أن هذا لا يمنع التأثير في غيره ) ( نشرة لفضيلة الشيخ بتاريخ 21 / 1 / 1417 هـ – ص 3 )
والذي أراه في هذه المسألة أن المنفعة والفائدة باقية في تمر العجوة خاصة وتمر المدينة عامة إلى قيام الساعة ، وأن ذلك ليس مخصوصا بزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بتمر العجوة عما سواه ، مع أن الخبرة والتجربة العملية في هذا الميدان أكدت بما لا يدع مجالا للشك تأثير تمر العجوة على السحر خاصة والمنفعة العظيمة له قبل أو بعد وقوعه ، وهذا ما ذهب إليه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – والله تعالى أعلم
استخدام السدر : ذكر ثلة من أهل العلم منفعة استخدام السدر كعلاج فعال للسحر بإذن الله سبحانه وتعالى
قال الحافظ بن حجر في الفتح وذكر ابن بطال أن في كتب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر ، فيدقه بين حجرين ، ثم يضربه بالماء ، ويقرأ آية الكرسي والقواقل ، ثم يحسو منه ثلاث حسيات ، ثم يغتسل به ، فإنه يذهب عنه كل ما به ، وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله ) ( فتح الباري - 10 / 233 )
القواقل : ( السور التي تبدأ بـ ( قل ) وهي : الجن ، الكافرون ، والإخلاص ، الفلق ، والناس )
ذكر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله تعالى - أن علاج السحر بعد وقوعه وهو علاج نافع - بإذن الله - للرجل إذا حبس عن جماع أهله أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه ويجعلها في إناء ويصب عليه من الماء ما يكفيه للغسل ويقرأ فيها آية الكرسي و( قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ )و( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )و( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ) و ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ) وآيات السحر في سورة الأعراف وهي قوله تعالى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ ) ( 117 ، 119 ) والآيات في سورة يونس وهي قوله سبحانه : } وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِى بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ * فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) ( 79 ، 82 ) ، والآيات في سورة طه : } قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِىَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِى نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى*وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) ( 65 ، 69 ) وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب منه ثلاث مرات ويغتسل بالباقي وبذلك يزول الداء إن شاء الله وإن دعت الحاجة لاستعماله مرتين أو أكثر فلا بأس حتى يزول الداء ) ( مجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - 3 / 279 - 280
منقول