مذهب أهل السنة والجماعة أن الخير والشر كلاهما مخلوقان مقدوران لله ، وهذا ما قرره الإسماعيلي في اعتقاد أهل الحديث [ ص ( 61 : 62 ) ] حيث قال : ( ويقولون إن الخير والشر والحلو والمر بقضاء من الله عز وجل أمضاه وقدَّره ، لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله ، وإنهم فقراء إلى الله عز وجل لا غنى لهم عنه في كل وقت ) .
وفصَّل هذه المسألة الصابوني في عقيدة السلف أصحاب الحديث [ ص ( 78- 81 ) ] فقد قال : ( ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الخير والشر والنفع والضر والحلو والمر بقضاء الله تعالى وقدره ، لا مرد لهما ولا حيص ولا محيد عنهما ، ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له ربه ، ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله لم يقدروا عليه ، ولو جهدوا أن يصدوه بما لم يقض الله عليه لم يقدروا على ما ورد به الخبر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، وقال الله عز وجل : { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ } [ سورة يونس ، الآية : 107 ] .
ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم مع قولهم إن الخير والشر من الله وبقضائه ، لا يضاف إلى الله ما يتوهم منه نقص على الانفراد ، فلا يقال : يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان ، وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه ، وفي ذلك ورد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح : « تباركت وتعاليت ، والخير في يديك ، والشر ليس إليك » [ أخرجه مسلم ] ، ومعناه - والله أعلم - والشر ليس مما يضاف إليك إفرادا وقصدا حتى يقال لك في المناداة : يا خالق الشر أو يا مقدر الشر ، وإن كان هو الخالق والمقدر لهما جميعا ، ولذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب إلى نفسه فقال فيما أخبر الله تعالى عنه في قوله : { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا } [ سورة الكهف ، الآية : 79 ] ، ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال : { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } [ سورة الكهف ، الآية : 82 ] ، ولذلك قال مخبرا عن إبراهيم عليه السلام أنه قال : { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [ سورة الشعراء ، الآية : 80 ] ، فأضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى ربه ، وإن كان الجميع منه جل جلاله ) .
الخلاصة :
الخير والشر كلاهما مخلوقان مقدَّران لله تعالى ، لا يكون شيء منهما إلا بإذنه ، فهو خالقهما جميعا ، وهذا قول أهل السنة ، غير أن الشر لا يضاف إليه على انفراد لما فيه من توهُّم النقص والعيب .
الكتاب : اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث
المؤلف : محمد بن عبد الرحمن الخميس