وقاتل مع المثنى في هذه المعركة أنس بن هلال النمري وكان نصرانيًّا، قاتل حمية للعرب، وكان صادقًا في قتاله، وتمكن أحد المسلمين من قتل "مهران" قائد الفرس، فخارت صفوف الفرس، وولوا هاربين، فلحقهم المثنى على الجسر، وقتل منهم أعدادًا ضخمة، قدرها البعض بمائة ألف، ولكن هذا الرقم لا يشير إلى العدد الفعلي، ولكنه كناية عن الكثرة فقط.
وقد سميت معركة البويب بـ"يوم الأعشار"؛ لأنه وجد من المسلمين مائة رجل قتل كل منهم عشرة من الفرس، ورأى المسلمون أن البويب كانت أول وأهم معركة فاصلة بين المسلمين والفرس، وأنها لا تقل أهمية عن معركة اليرموك في الشام.
ومن روعة المثنى أنه اعترف بخطأ ارتكبه أثناء المعركة رغم أنه حسم نتيجة المعركة، فقال: "عجزت عجزة وقى الله شرها بمسابقتي إياهم إلى الجسر حتى أحرجتهم؛ فلا تعودوا أيها الناس إلى مثلها؛ فإنها كانت زلة فلا ينبغي إحراج من لا يقوى على امتناع".
بعض مواقف المثنى بن حارثة مع الرسول :
ذكر قاسم بن ثابت فيما رأيته عنه من حديث عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب في خروجهما هو وأبو بكر مع رسول الله لذلك قال علي: وكان أبو بكر في كل خير مقدمًا فقال: ممن القوم؟ فقالوا: من شيبان بن ثعلبة, فالتفت أبو بكر إلى رسول الله فقال: بأبي أنت وأمي، هؤلاء غرر في قومهم وفيهم مفروق بن عمر وهانئ بن قبيصة ومثنى بن حارثة والنعمان بن شريك, وكان مفروق بن عمر قد غلبهم جمالاً ولسانًا وكانت له غديرتان وكان أدنى القوم مجلسًا من أبي بكر فقال له أبو بكر : كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنا لنزيد على الألف ولن تغلب الألف من قلة, فقال أبو بكر: كيف المنعة فيكم؟ فقال مفروق: علينا الجهد ولكل قوم جد, فقال أبو بكر: فكيف الحرب بينكم وبين عدوكم؟ فقال مفروق: إنا لأشد ما نكون غضبًا لحين نلقى وأنا لأشد ما نكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا ويديل علينا أخرى لعلك أخو قريش..
فقال أبو بكر: أوقد بلغكم أنه رسول الله فها هو ذا, فقال مفروق: قد بلغنا أنه يذكر ذلك فإلام تدعو يا أخا قريش؟ فتقدم رسول الله : "أدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأني رسول الله وأن تؤوني وتنصروني, فإن قريشًا قد تظاهرت على أمر الله وكذبت رسله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد", فقال مفروق: وإلام تدعو أيضًا يا أخا قريش؟ فقال رسول الله : {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151], فقال مفروق: وإلام تدعو أيضًا يا أخا قريش؟ فقال رسول الله : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
فقال مفروق: دعوت والله يا أخا قريش إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال, ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك, وكأنه أراد أن يشركه في الكلام هانئ بن قبيصة, فقال: هذا هانئ بن قبيصة شيخنا وصاحب ديننا, فقال هانئ: قد سمعنا مقالتك يا أخا قريش وإني أرى أن تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر زلة في الرأي وقلة نظر في العاقبة, وإنما تكون الزلة مع العجلة, ومن ورائنا قوم نكره أن نعقد عليهم عقدًا ولكن نرجع وترجع وننظر وتنظر, وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة, فقال: وهذا المثنى بن حارثة شيخنا وصاحب حربنا, فقال المثنى: قد سمعت مقالتك يا أخا قريش والجواب هو جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا واتباعنا دينك لمجلس جلسته إلينا ليس له أول ولا آخر وإنا إنما نزلنا بين صريي اليمامة والسمامة فقال رسول الله : "ما هذان الصريان", فقال: أنهار كسرى ومياه العرب, فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول, وأما ما كان من مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول, وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثًا ولا نؤوي محدثًا, وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه أنت هو مما يكرهه الملوك, فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا, فقال رسول الله : "ما أسأتم في الرد إذ فصحتم في الصدق, وإن دين الله لن ينصره إلا من حاط من جميع جوانبه, أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نسائهم أتسبحون الله وتقدسونه", فقال النعمان بن شريك: اللهم لك ذا, فتلا رسول الله : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا *وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45، 46] ثم نهض رسول الله فأخذ بيدي, فقال: "يا أبا بكر، أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض, وبها يتجاوزون فيما بينهم".
بعض مواقف المثنى بن حارثة مع الصحابة :
عندما أسلم المثنى بن حارثة كان يغِير هو ورجال من قومه على تخوم ممتلكات فارس، فبلغ ذلك الصديق أبا بكر ، فسأل عن المثنى، فقيل له: "هذا رجل غير خامل الذكر، ولا مجهول النسب، ولا ذليل العماد".
ولم يلبث المثنى أن قدم على المدينة المنورة، وقال للصديق: "يا خليفة رسول الله استعملني على من أسلم من قومي أقاتل بهم هذه الأعاجم من أهل فارس"، فكتب له الصديق عهدًا، ولم يمضِ وقت طويل حتى أسلم قوم المثنى.
أثر المثنى بن حارثة في الآخرين :
وعندما رأى المثنى البطء في الاستجابة للنفير قام خطيبًا في الناس فقال: "أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه؛ فإنا قد فتحنا ريف فارس، وغلبناهم على خير شقي السواد، ونلنا منهم، واجترأنا عليهم، ولنا إن شاء الله ما بعده".
بعض كلمات المثنى بن حارثة :
وقال المرزباني: كان مخضرمًا وهو الذي يقول:
سألوا البقية والرماح تنوشهم * شرقي الأسنة والنحور من الدم
فتركت في نقع العجاجة منهم * جزرًا لساغبة ونسـر قشعم
وفاة المثنى بن حارثة :
لمّا ولي عمر بن الخطاب الخلافة سيّر أبا عبيد بن مسعود الثقفي في جيش إلى المثنى، فاستقبله المثنى واجتمعوا ولقوا الفرس بـ(قس الناطف) واقتتلوا فاستشهد أبو عبيد، وجُرِحَ المثنى فمات من جراحته قبل القادسية، رضي الله عنهما.