البحث حول المعادلة العلميّة الشاملة |
|
ما زال العديد من العلماء والباحثين يجتهدون لإيجاد معادلة علميّة موحدة تشمل كل المعادلات العلمية الخاصة في شتى الميادين والاختصاصات. لكن حتى اليوم، لم يتوصل العلم في كل فروعه إلى اكتشاف هذه المعادلة العامة..، بل إنه ما زال عاجزاً عن ايجاد العلاقة أو الرابط بين العلوم المختلفة مما أبقى العلوم منفصلة عن بعضها ولا نقول ناقصة بحدّ ذاتها... فلا تزال معادلات الرياضيات مثلاً، التي تتناول منطق العدد والكميات والأشكال تدرّس منفردة، أي من دون توحّدها مع معادلات العلوم الأخرى. كذلك معادلات الفيزياء التي تتناول المادة بذراتها وطاقاتها وتفاعلاتها لا تزال غير مرتبطة بمعادلات الكيمياء أو الموسيقى، أو بعلم الهندسة... مع أن الطاقة على تنوّع تمظهرها، على علاقة بمصدر واحد، ألا وهو الذرات (Atomes) وتفاعلاتها وما ورائها من زخم ذبذبي متماوج... وهكذا دواليك، كل علمِ ظل مستقلاً عن العلوم الأخرى.
نتيجة لذلك، بات المهندس غريباًً عن غوامض الطب، والموسيقي بعيداً عن أبعاد الرياضيات، وكلُّ اختصاصيٍ قصياً عن غيره، على عكس فلاسفة الإغريق وعلماء الزمن القديم الذين كانوا متضلعين بشتى نواحي المعرفة (polymaths). فرجل المعرفة اليوناني فيثاغوراس (Pythagoras) مثلا، كانً عالمَ رياضيات وفيلسوفاً وموسيقياً، بل مؤسساً للسلم الموسيقي القائم على النوتات السبع، وكان أيضاً باحثاً في أسرار الهندسة وفي علم الرقم وفي الرموز الروحيّة، وعالمَ فلك ومتمرساً بالعلوم والمعارف كافة... ولا شك أن السبب كان تعمّقه بعلوم البواطن الخفيّة، التي أعطاها الأولوية في دراساته وأبحاثه، مدركاً أن من خلالها تبين المعارف المادية.
نلاحظ أن المعرفة اليوم تجزأت إلى علوم متفرقة، بالرغم من أن الحقيقة واحدة ومصدر الطاقة واحدٌ. لا شك أن السبب الأساس يكمن في درجة وعي الإنسان الذي بعدما صعب عليه استيعاب وحدة المعرفة، راح يتعرف إلى تلك الأجزاء منفصلةً، وكأنها خطوة أولى يدرك من خلالها الأجزاء، ثمّ يليها فهم علاقة كلّ جزء بالآخر، إلى أن يتمكن من ربط الكل، وبالتالي استيعاب وحدة المعرفة ووعيها. من هنا، فإن دراسة ماهية وعي الإنسان هي الوسيلة الفعالة لفهم هذه التجزئة ولإدراك طريقة توحيدها.
يُعَرِّفُ علم الإيزوتيريك، في مؤلفاته الاثنين والثلاثين لغاية تاريخه (بقلم ج.ب.م)، بأن الإنسان مكوّن من سبعة أجهزة وعي، أحدها الجسد المادي والستة الباقية ذبذبية غير مادية، اصطلح على تسميتها: بالجسم الأثيري (الهالة)، جسم المشاعر (الكوكبي)، الجسم العقلي، جسم المحبة، جسم الإرادة وشعاع الروح - الجسم السابع والأسمى بينها. هذا لأن مكونات الوجود من حول الإنسان لا تقتصر على البعد المادي، بل تحوي أيضاً أبعاداً ذبذبية لامادية، هي أساس المادة ومستودع أسرارها.
إذاً دراسة الإنسان لأية معرفة يجب أن تكون دراسةً ماديّة ولامادية في الوقت نفسه (استناداً إلى علوم الإيزوتيريك). فالقسم اللامادي، الذبذبي، هو الحلقة الناقصة التي لم تعرها علوم المادة اهتمامها، فبقيت مشتتة ومحدودة بالمنطق المادي. أما لماذا تقسّمت العلوم وتجزّأت على ما هي عليه اليوم، فذلك لأنّ كل عالِمٍ تناول بُعداً مختلفاً من أبعاد المادة، من خلال نظرته "لظلال النور على حائط الكهف" الذي ذكره أفلاطون... من دون البحث عن مصدر النور... ومن دون تقصي ماهية الجوهر الأصل، مصدر ومحرك المادة، ألا وهو الذبذبة (Vibration) اللامادية.
الوعي طاقة ذبذبية تختلف وتتدرج حسب سرعة وبطء تذبذبها، أو تماوجها(Frequence) علماً بأن هذه السرعة، تقاس وتتبيّن للإنسان بواسطة الرقم أو النغم أو اللون. ثلاثية الوعي هذه، وتفاعل الإنسان معها إن كان من خلال الحواس أو الفكر، يظهر سبب تجزئة المعرفة وتشعباتها في العلوم على الوجه التالي:
- الرياضيات، تتناول بشكلِ أساسي، بُعد الرقم ومنطقه، من دون أبعاد النغم واللون، ومن دون تقصي ماهية الطاقة أو الذبذبة أو أية خصائص أخرى، بل تقتصر في معظم الأحيان على نطاق العدد دون الغوص في أسرار الرقم. فالفارق كبير بين سرّ الرقم في الذبذبة، ومنطق العدد في المادة!
- فنّ الرسم والزخرفة... يرتكزان على بُعد اللون في الذبذبة، من دون اعتبار بعد النغم أو الرقم... وحتى في دراسة ماهية اللون يقتصران على النطاق الذي تراه حاسة البصر، وعلى الناحية الشكلية فقط، دونما تقصّي مجاهل علم الأشعة اللونية الكونية والإنسانية.
- الموسيقى، وهي علم الفن الأدق، الذي يتناول بُعد النغم في الذبذبة دون غيره، ومن دون أن يتناول مصدر تماوجات ذلك النغم... وحتى في دراسته للأنغام والألحان، يتناول قسماً محدوداً منها يتناسب مع درجات التذبذب أو التماوج التي تستطيع أن تلتقطها حاسة السمع.
- الكيمياء، وهو العلم الذي يدرس تفاعل وترابط الذرّات (Atomes)، أي الذبذبات(Vibrations) التي تكثفت في عالم المادة، وارتَدَت الذرات تحت درجات تذبذب (Frequences) مختلفة. هذا العلم يقتصر على الناحية المادية فقط من علم الخيمياء (Alchemie) القديم، الذي هو أبو الكيمياء الحديثة. ففي الخيمياء تكمن أسرار التحوّل دون مختبر، ومنه تطل نافذة على كيفية ارتباط الكيمياء بالعلوم الأخرى!!!
- علم النفس الذي انطلق من صميم الجسد المادي لدراسة عوارض النفس. لكنه بقي بعيداً عن أغوار الذات الإنسانية وعن الأسباب الجوهرية وراء الأمراض. ناهيكم عن أنّه تناول جزءاً بسيطاً من النفس ولم يلقِ الضوء على تفاعل مكوناتها في أعضاء الجسد.
- علم الفلك (Astronomie)، الذي يدْرُسُ الفضاءِ وعلاقة الكواكب بعضها ببعض، لكن من دون التعرّف الى ’فضاء‘ الانسان و’كواكب‘ الوعي في كيانه (الشاكرات-Chakras).
- هذا الى جانب العلوم الأخرى، التي تجتهد لتطوير وسيلة الإستعمال أو التكنولوجيا الخاصة بها، دونما اللجوء إلى وحدة المعرفة والجوهر الذي عبره تُطوّر نفسها وترتبط ارتباطاً وثيقاً بباقي الحلقات وبخاصة في الإنسان لتكتمل سلسلة المعرفة.
في هذه المناسبة، أستشهد بما ورد في كتاب الإيزوتيريك علم المعرفة ومعرفة العلم: "العلم لا يطوّر نفسه... بل يطوّر الوسائل التي بها يتعرّف الى المعرفة!". وهذا هو التعبير الأدق أو الحقيقة الصارخة التي تشرح دور العلم في الحياة.
بذلك نستنتج أن وسيلة معالجة النواقص في التكنولوجيا والعلوم العديدة، وكيفية توحيدها تكمن في معرفة كنه ذلك الجوهر اللامادي الذي انعكس رقماً ولوناً ونغماً في عالم الحواس والفكر. وذلك من خلال استيعاب ماهية العوامل اللامحسوسة واللامادية، التي تؤثر في المادة وتتحكم بها، ألا وهي تلك المرتبطة بالذبذبة (Vibration)، وهذا ما بدأت تعالجه الفيزياء الكميّة (Physiques Quantiques). فالإنسان إن وجّه اهتمامه إلى عالم الذبذبة ولا سيما إلى الباطن الذبذبي الخفي المُكَوِّن لأجهزة وعيه، وسعى إلى الربط فيما بينها، وبين اللامحسوس والمحسوس من حوله، بين اللطيف والكثيف في المادة، بين السبب والنتيجة، بين العلة والمعلول، بين الجوهر الأصل والانعكاسات، وبين الذبذبة والذرة، لتبينت الوقائع أمامه مرتبطةً وموحدة في معادلة عامة شاملة، هي معادلة الوعي. أما الأهمية في كل ما تقدم ذكره، فلا تكمن فقط في ذلك التطور على صعيد العلم ومعادلاته، بل في الهدف الأهم وهو أن يصبح الإنسان وحدةً متماسكة وموحّدة، تناجي التكامل في وعيها الإنساني.
أستشهد ختاماً بما ورد في كتاب الايزوتيريك ’مناجاة القلب والوعي‘ الذي صدر منذ أكثر من عشر سنوات "...ومن قسّم الحياة وجزأها أسرته الحياة في أحد تلك الأجزاء مدى العمر... والانسان ما لم يحتوِ الحياة وحدة، لا يستطيع فهم الوحدة أو الاتحاد بها!..."،
والقول نفسه ينطبق على العلوم وعلى كلّ شيء.
|
منقول للفائدة