بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين 00
الشرور الأربعة في سورة الفلق
المقدمة :
سورة الفلق سورة لم يُر مثلها كما عبر عن ذلك النبي صلى الله عليه
وسلم، هي والسورة التي تليها"سورة الناس" فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَال:َ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ أَرَ أَوْ لَمْ يُرَ مِثْلَهُنَّ يَعْنِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ"
وحيث مدحها عليه السلام بهذه الكلمات؛ فمعنى ذلك أننا أمام كنوز ضخمة، وذخائر حية، وأسلحة قوية، في مواجهة شرور الحياة ومصاعبها وشدائدها والكائدين فيها، والماكرين، والحاسدين، والسحرة المشعوذين الدجالين، يعني ذلك: أننا أمام أخطار كبيرة تؤثر في مسيرة الحياة، وتنعكس على الإنسان حيث تؤدي هذه الشرور التي ذُكرت في السورة الكريمة إلى الوفاة في بعض الأحيان، والجنون وفقدان الذاكرة وحالات صرع في أحيانٍ أخرى، فهي وأختها(سورة الناس) آيات بينات تذكر الداء والدواء..
وكان عليه الصلاة والسلام يوليهما عناية خاصة؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ
حَتَّى نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا"
" قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ "
لا بد من الصراحة في إعلان الحقيقة الكبرى، وهي أن الإنسان مخلوق
ضعيف، مفتقر إلى الله سبحانه في كل أحواله يقول خالقنا سبحانه:
"يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ "{فاطر:15}،
ولذلك دفعه خوفه من الأشياء، وخشيته من الأخطار، إلى التعوذ
والاستعانة بالجن، والسحر، والأصنام، والأنداد والشركاء، ويظن أنّ
هذه الأشياء قادرة على حمايته، وتوفير الأمن والطمأنينة له، وهو واهم في
ذلك؛ "يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ
يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ
الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ"{الحج:73}،
والحقيقة الكبرى التي طلبها رب الفلق من نبيه عليه السلام أن يعلنها على
الملأ ويقولها بملء فيه أنه: إذا كنتم أيها الناس، أيها الكفار، أيها
المشركون، يا ضعاف الإيمان، تستعيذون بالشركاء و بالأنداد ،
وبالسحرة و الكهنة و الجن وما أشبه، فإنني" أعوذ برب الفلق"
والاستعاذة معناها:كما جاء في لسان العرب: "عاذ به يَعُوذُ عَوْذاً وعِياذاً
ومَعاذاً: لاذ به ولـجأَ إِلـيه واعتصم.
يقال: عَوَّذْت فلاناً بالله وأَسمائه وبالـمُعَوِّذتـين إِذا قلت أُعِيذك بالله وأَسمائه من
كل ذي شر وكل داء وحاسد وحَيْنٍ" .
"فالاستعاذة حالة نفسية ، قوامها الخشية من الخطر ، و الثقة بمن يستعاذ به ،
و هي إلى ذلك ممارسة عملية بابتغاء مرضاة من نستعيذ به ،
و هي - فوق ذلك - الثقة بأنه وحده القادر على درء الخطر ، و إنقاذ
الإنسان ."
أما الفلق فقد اختلفوا فيه اختلافا كبيرا ،
فمن قائل : أنه بئر في جهنم تحترق جهنم بناره .
إلى قائل : بأنه الصبح ، أو الخلق، أو ما اطمأن من الأرض ، أو الجبال و
الصخور.
قال ابن جرير: "والصواب القول الأول إنه فلق الصبح وهذا هو الصحيح وهو
اختيار البخاري في صحيحه رحمه الله تعالى"
قال المفسرون: سبب تخصيص الصبح بالتعوذ أن انبثاق نور الصبح بعد شدة
الظلمة، كالمثل لمجيء الفرج بعد الشدة، فكما أن الإِنسان يكون
منتظراً لطلوع الصباح، فكذلك الخائف يترقب مجيء النجاح.